تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخبرا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا : أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، أي : إلا ما تطيق حمله والقيام به ، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء; ولهذا قال : ( ولدينا كتاب ينطق بالحق ) يعني : كتاب الأعمال ، ( وهم لا يظلمون ) أي : لا يبخسون من الخير شيئا ، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين .

تفسير السعدي

ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر، أخبر تعالى أنه لا يكلف { نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } أي: بقدر ما تسعه، ويفضل من قوتها عنه، ليس مما يستوعب قوتها، رحمة منه وحكمة، لتيسير طريق الوصول إليه، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه. { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ } وهو الكتاب الأول، الذي فيه كل شيء، وهو يطابق كل واقع يكون، فلذلك كان حقا، { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أي لا ينقص من إحسانهم، ولا يزداد في عقوبتهم وعصيانهم.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون قوله تعالى : ولا نكلف نفسا إلا وسعها قد مضى في ( البقرة ) وأنه ناسخ لجميع ما ورد في الشرع من تكليف ما لا يطاق . ولدينا كتاب ينطق بالحق أظهر ما قيل فيه : أنه أراد كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه الملائكة ؛ وأضافه إلى نفسه لأن الملائكة كتبت فيه أعمال العباد بأمره ، فهو ينطق بالحق . وفي هذا تهديد وتأييس من الحيف والظلم . ولفظ النطق يجوز في الكتاب ؛ والمراد أن النبيين تنطق بما فيه . والله أعلم . وقيل : عنى اللوح المحفوظ ، وقد أثبت فيه كل شيء ، فهم لا يجاوزون ذلك . وقيل : الإشارة بقوله : ولدينا كتاب القرآن ، فالله أعلم ، وكل محتمل والأول أظهر .

تفسير الطبري

يقول تعالى ذكره: ولا نكلف نفسا إلا ما يسعَها ويصلح لها من العبادة; ولذلك كلَّفناها ما كلفناها من معرفة وحدانية الله، وشرعنا لها ما شرعنا من الشرائع.

( وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ ) يقول: وعندنا كتاب أعمال الخلق بما عملوا من خير وشرّ، ينطق بالحقّ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يقول: يبين بالصدق عما عملوا من عمل في الدنيا، لا زيادة عليه ولا نقصان، ونحن موفو جميعهم أجورهم، المحسن منهم بإحسانه والمسيء بإساءته ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يقول: وهم لا يظلمون، بأن يزاد على سيئات المسيء منهم ما لم يعمله فيعاقب على غير جُرْمه، وينقص المحسن عما عمل من إحسانه فينقص عَمَّا له من الثواب.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق