4-سورة النساء 20
وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا
وإن أردتم استبدال زوجة مكان أخرى، وكنتم قد أعطيتم مَن تريدون طلاقها مالا كثيرًا مهرًا لها، فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئًا، أتأخذونه كذبًا وافتراءً واضحًا؟
تفسير ابن كثير
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في [ الدار ] الآخرة ( لحسن مآب ) وهو : المرجع والمنقلب . ثم فسره بقوله : ( جنات عدن ) أي : جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب .
والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول : " مفتحة لهم أبوابها " أي : إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن ثواب الهباري حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الله بن مسلم - يعني : ابن هرمز - عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو [ رضي الله عنهما ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في الجنة قصرا يقال له : " عدن " حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله - أو : لا يسكنه - إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل " .
وقد ورد في [ ذكر ] أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة .
تفسير السعدي
ثم فسره وفصله فقال: { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي: جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلا منها، من كمالها وتمام نعيمها، وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين.
{ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ } أي: مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها هم ، بل هم مخدومون، وهذا دليل أيضا على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها.
تفسير القرطبي
ثم بين ذلك في قوله تعالى : جنات عدن والعدن في اللغة الإقامة ، يقال : عدن بالمكان إذا أقام . وقال عبد الله بن عمر : إن في الجنة قصرا يقال له عدن ، حوله البروج والمروج ، فيه خمسة آلاف باب ، على كل باب خمسة آلاف حبرة ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد .
" مفتحة " : حال " لهم الأبواب " : رفعت الأبواب لأنه اسم ما لم يسم فاعله . قال الزجاج : أي : مفتحة لهم الأبواب منها . وقال الفراء : مفتحة لهم أبوابها . وأجاز الفراء : " مفتحة لهم الأبواب " بالنصب . قال الفراء : أي : مفتحة الأبواب ثم جئت بالتنوين فنصبت . وأنشد هو وسيبويه : [ للنابغة الذبياني ] .
ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام
وإنما قال : " مفتحة " ولم يقل مفتوحة ; لأنها تفتح لهم بالأمر لا بالمس . قال الحسن : تكلم : انفتحي فتنفتح ، انغلقي فتنغلق . وقيل : تفتح لهم الملائكة الأبواب .
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله تعالى : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ (50)
قوله تعالى ذكره: ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) : بيان عن حسن المآب, وترجمة عنه, ومعناه: بساتينُ إقامة. وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده, وذكرنا ما فيه من الاختلاف فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, فال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) قال: سأل عمر كعبا ما عَدَن؟ قال: يا أمير المؤمنين, قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيون والصدّيقون والشهداء وأئمةُ العدل.
وقوله ( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) يعني: مفتحة لهم أبوابها; وأدخلت الألف واللام في الأبواب بدلا من الإضافة, كما قيل: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى بمعنى: هي مَأْواه, وكما قال الشاعر:
مــا وَلَــدتْكُمْ حَيَّــةُ ابْنَـة مـالِكٍ
سِـفاحا وَمـا كَـانَتْ أحـاديثَ كاذِبِ
وَلَكِــنْ نَـرَى أقْدَامَنَـا فِـي نِعَـالِكُمْ
وآنفُنَــا بيــنَ اللِّحَـى والحَوَاجِـبِ (3)
بمعنى: بين لحاكم وحواجبكم; ولو كانت الأبواب جاءت بالنصب لم يكن لحنا, وكان نصبه على توجيه المفتحة في اللفظ إلى جنات, وإن كان في المعنى للأبواب, وكان كقول الشاعر:
وَمــا قَــوْمي بثَعْلَبَـةَ بْـنِ سَـعْدٍ
وَلا بِفَـــزَارَةَ الشِّـــعْرَ الرَقابــا (4)
ثم نوِّنت مفتحة, ونصبت الأبواب.
فإن قال لنا قائل: وما في قوله ( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) من فائدة خبر حتى ذكر ذلك؟ قيل: فإن الفائدة في ذلك إخبار الله تعالى عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها إياها, بمعاناة بيد ولا جارحة, ولكن بالأمر فيما ذُكر.
كما حدثنا أحمد بن الوليد الرملي, قال: ثنا ابن نفيل, قال: ثنا ابن دعيج, عن الحسن, في قوله ( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) قال: أبواب تكلم, فتكلم: انفتحي, انغلقي.
--------------------------
الهوامش :
(3) البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 281 ) على أن قوله تعالى" مفتحة لهم الأبواب" برفع الأبواب ، لأن المعنى مفتحة لهم أبوابها . والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة ومنه قوله :" فإن الجحيم هي المأوى" فالمعنى والله أعلم : مأواه . ومثله قول الشاعر :" ما ولدتكم حية ربعية .... البيتين" . فمعناه : ونرى آنفنا بين لحاكم وحواجبكم في الشبه . أ هـ . وحية ابنة مالك : قبيلة وسفاحا : زنا . واللحى : جمع لحية .
(4) البيت للحارث بن ظالم المري من قصيدة من الوافر قالها لما هرب من النعمان بن المنذر . فلحق بقريش . (انظر فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد للعيني ص 264 ) والرواية فيه"الشعر بدون ألف بعد الراء. قال : والشاهد في الشعر الرقابا" فإنه مثل" الحسن الوجه بنصب الوجه" على أنه شبيه بالمفعول به ( لأن الشعر جمع أشعر ، كثير شعر الجسد ، صفة مشبهة . أنشد الفراء البيت في معاني القرآن (الورقة 281) مع الشاهد السابق ، وقال في قوله تعالى"مفتحة لهم الأبواب" وقال : ولو قال" مفتحة لهم الأبواب" (بنصب الأبواب ) على أن تجعل المفتحة في اللفظ للجنان ، وفي المعنى للأبواب ، فيكون مثل قول الشاعر :
مــا قــومي بثعلبــة بـن سـعد
ولا بفـــزارة الشــعري رقابــا
ولم يأت الفراء في كلامه بجواب لو ... أي لكان وجها .. والخلاصة أن في لفظة" الأبواب" من قوله تعالى" مفتحة لهم الأبواب" وجهان من الإعراب : الرفع على أن نائب فاعل ، أي مفتحة لهم أبوابها . والنصب على أن نائب الفاعل ضمير راجع على الجنات ، وتنصب الأبواب على أنه شبيه بالمفعول به . وكذلك في قوله :" الشعر الرقابا" النصب فيه على أنه شبيه بالمفعول به لأنه فعله" شعر" لازم لا ينصب المفعول به وعلى رواية"الشعرى رقاباً :" تنصب رقابه على أنه تمييز . وانظر معمول اسم المفعول ومعمول الصفة المشبهة في التصريح والأشموني .