51-سورة الذاريات 13
            
    يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
    يوم الجزاء، يوم يُعذَّبون بالإحراق بالنار، ويقال لهم: ذوقوا عذابكم الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا.


    تفسير ابن كثير

    قال الله تعالى : ( يوم هم على النار يفتنون ) .

    قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : ( يفتنون ) : يعذبون [ قال مجاهد ] : كما يفتن الذهب على النار .

    وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضا ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، وزيد بن أسلم ، وسفيان الثوري : ( يفتنون ) : يحرقون .

    تفسير السعدي

    { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } أي: يعذبون بسبب ما انطووا عليه من خبث الباطن والظاهر.

    تفسير القرطبي

    يوم هم على النار يفتنون نصب يوم على تقدير الجزاء أي هذا الجزاء يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون ، وهو من قولهم : فتنت الذهب أي أحرقته لتختبره ; وأصل الفتنة الاختبار . وقيل : إنه مبني بني لإضافته إلى غير متمكن ، وموضعه نصب على التقدير المتقدم ، أو رفع على البدل من يوم الدين . وقال الزجاج : يقول يعجبني يوم أنت قائم ويوم أنت تقوم ، وإن شئت فتحت وهو في موضع رفع ، فإنما انتصب هذا وهو في المعنى رفع . وقال ابن عباس : يفتنون يعذبون . ومنه قول الشاعر :

    كل امرئ من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور ومفتون

    تفسير الطبري

    وقوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يقول تعالى ذكره: يوم هم على نار جهنم يفتنون.

    واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( يُفْتَنُونَ ) في هذا الموضع, فقال بعضهم. عني به أنهم يعذّبون بالإحراق بالنار.

    * ذكر من قال ذلك:

    حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يقول: يعذّبون.

    حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: فتنتهم أنهم سألوا عن يوم الدين وهم موقوفون على النار ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ فقالوا حين وقفوا : يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ , وقال الله تبارك وتعالى هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ .

    حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله ( يُفْتَنُونَ ) قال: كما يفتن الذهب في النار.

    حدثني يعقوب, قال: ثني هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن عكرِمة, في قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: يعذّبون في النار يحرقون فيها, ألم تر أن الذهب إذا ألقي في النار قيل فتن.

    حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: ثنا محمد بن الصلت, قال: ثنا أبو كدينة, عن حصين, عن عكرِمة ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: يعذّبون.

    حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: ثنا فضيل بن عياض, عن منصور, عن مجاهد ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يقول: يُنْضَجون بالنار.

    حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الحصين, عن عكرمة ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: يحرقون.

    حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يقول: يحرقون.

    حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: يطبخون, كما يفتن الذهب بالنار.

    حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: يحرقون بالنار.

    حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قال: يحرقون.

    وقال آخرون: بل عنى بذلك أنهم يكذبون.

    * ذكر من قال ذلك:

    حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يقول: يطبخون, ويقال أيضا( يُفْتَنُونَ ) يكذّبون كل هذا يقال.

    واختلف أهل العربية في وجه نصب اليوم في قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) فقال بعض نحويي البصرة: نصبت على الوقت والمعنى في ( أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ): أي متى يوم الدين, فقيل لهم: في ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) , لأن ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب, وفيه فتنتهم على النار.

    وقال بعض نحويي الكوفة: إنما نصبت ( يَوْمِهِمْ ) لأنك أضفته إلى شيئين, وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل, وارتفعا نصب اليوم, وإن كان في موضع خفض أو رفع إذا أضيف إلى فَعَلَ أو يَفْعَلُ أو إذا كان كذلك, (2) ورفعه في موضع الرفع, ................................... وخفضه في موضع الخفض يجوز: فلو (3) قيل ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) فرفع يومُ, لكان وجها, ولم يقرأ به أحد من القرّاء.

    وقال آخر منهم: إنها نصب ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) لأنه إضافة غير محضة فنصب, والتأويل رفع, ولو رفع لجاز لأنك تقول: متى يومك؟ فتقول: يوم الخميس, ويوم الجمعة, والرفع الوجه, لأنه اسم قابل اسما فهذا الوجه.

    وأولى القولين بالصواب في تأويل قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) قول من قال: يعذّبون بالإحراق, لأن الفتنة أصلها الاختبار, وإنما يقال: فتنت الذهب بالنار: إذا طبختها بها لتعرف جودتها, فكذلك قوله ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) يحرقون بها كما يحرق الذهب بها, وأما النصب في اليوم فلأنها إضافة غير محضة على ما وصفنا من قول قائل ذلك.

    --------------------

    الهوامش :

    (2) كذا في معاني القرآن للفراء . وفي الأصل : وإذا قال .

    (3) كذا في معاني القرآن . وفي الأصل : يقول : لو قيل .

    زر الذهاب إلى الأعلى
    إغلاق
    إغلاق