تفسير ابن كثير
وقوله : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ) هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن ، التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاؤوا وأين أرادوا ، وهم خالدون فيها أبدا ، لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا .
وقوله : ( لهم فيها أزواج مطهرة ) أي : من الحيض والنفاس والأذى . والأخلاق الرذيلة ، والصفات الناقصة ، كما قال ابن عباس : مطهرة من الأقذار والأذى . وكذا قال عطاء ، والحسن ، والضحاك ، والنخعي ، وأبو صالح ، وعطية ، والسدي .
وقال مجاهد : مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد .
وقال قتادة : مطهرة من الأذى والمآثم ولا حيض ولا كلف .
وقوله : ( وندخلهم ظلا ظليلا ) أي : ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا .
قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا ابن جعفر - قالا حدثنا شعبة قال : سمعت أبا الضحاك يحدث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، شجرة الخلد " .
تفسير السعدي
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا } أي: بالله وما أوجب الإيمانَ به { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } من الواجبات والمستحبات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } أي: من الأخلاق الرذيلة، والخلْق الذميم، ومما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا }
تفسير القرطبي
وقوله في صفة أهل الجنة وندخلهم ظلا ظليلا يعني كثيفا لا شمس فيه . الحسن : وصف بأنه ظليل ؛ لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك . وقال الضحاك : يعني ظلال الأشجار وظلال قصورها الكلبي : ظلا ظليلا يعني دائما .
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا (57)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات "، والذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدّقوا بما أنـزل الله على محمد مصدّقًا لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم =" وعملوا الصالحات "، يقول: وأدّوا ما أمرهم الله به من فرائضه، واجتنبوا ما حرّم الله عليهم من معاصيه، وذلك هو " الصالح " من أعمالهم =" سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار "، يقول: سوف يدخلهم الله يوم القيامة =" جنات "، يعني: بساتين (34) =" تجري من تحتها الأنهار "، يقول: تجري من تحت تلك الجنات الأنهار =" خالدين فيها أبدًا "، يقول: باقين فيها أبدًا بغير نهاية ولا انقطاع، دائمًا ذلك لهم فيها أبدًا =" لهم فيها أزواج "، يقول: لهم في تلك الجنات التي وصف صفتها =" أزواج &; 8-489 &; مطهرة "، يعني: بريئات من الأدناس والرَّيْب والحيض والغائط والبول والحَبَل والبُصاق، وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا. وقد ذكرنا ما في ذلك من الآثار فيما مضى قبل، وأغنى ذلك عن إعادتها. (35)
* * *
وأما قوله: " وندخلهم ظِلا ظليلا "، فإنه يقول: وندخلهم ظلا كَنينًا، كما قال جل ثناؤه: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [سورة الواقعة: 30]، وكما:-
9838 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن = وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر = قالا جميعًا، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا الضحاك يحدّث، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنّ في الجنة لشجرةً يسيرُ الراكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها، شجرةُ الخلد. (36)
------------------
الهوامش :
(34) انظر تفسير"جنة" فيما سلف: 7: 494 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(35) انظر ما سلف 1: 395 - 397 / 6: 261 ، 262.
(36) الحديث: 9838 - عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
أبو الضحاك البصري: تابعي ، لم يعرف إلا بهذا الحديث ، ولم يرو عنه أحد غير شعبة. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 395.
والحديث رواه أحمد في المسند: 9870 ، عن محمد بن جعفر وحجاج ، و: 9951 ، عن عبد الرحمن ، وهو ابن مهدي - ثلاثتهم عن شعبة. (المسند 2: 455 ، 462 حلبي).
وذكر الحافظ في المزي في تهذيب الكمال (مخطوط مصور) أنه رواه ابن ماجه في التفسير.
ونقله ابن كثير 2: 490 ، عن هذا الموضع من الطبري.
وأصل الحديث ثابت عن أبي هريرة ، من أوجه كثيرة ، في المسند والصحيحين وغيرهما ، دون زيادة"شجرة الخلد". انظر المسند: 7490. وقد أشرنا لكثير من طرقه هناك.