تفسير ابن كثير
ثم قال تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ) وهذه هي الحالة الثالثة ، وهي حالة الفراق ، وقد أخبر تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه ، بأن يعوضه بها من هو خير له منها ، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه : ( وكان الله واسعا حكيما ) أي : واسع الفضل عظيم المن ، حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه .
تفسير السعدي
هذه الحالة الثالثة بين الزوجين، إذا تعذر الاتفاق فإنه لا بأس بالفراق، فقال: { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ْ} أي: بطلاق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك { يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا ْ} من الزوجين { مِنْ سَعَتِهِ ْ} أي: من فضله وإحسانه الواسع الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله وإن انقطع نصيبها من زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعل الله يرزقها زوجا خيرا منه، { وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا ْ} أي: كثير الفضل واسع الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه. ولكنه مع ذلك { حَكِيمًا ْ} أي: يعطي بحكمة، ويمنع لحكمة. فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من إحسانه، بسبب من العبد لا يستحق معه الإحسان، حرمه عدلا وحكمة.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما
قوله تعالى : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما بالله ، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه ، وللمرأة من يوسع عليها . وروي عن جعفر بن محمد أن رجلا شكا إليه الفقر ، فأمره بالنكاح ، فذهب الرجل وتزوج ؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر ، فأمره بالطلاق ؛ فسئل عن هذه الآية فقال : أمرته بالنكاح لعله من أهل هذه الآية : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله فلما لم يكن من أهل تلك الآية أمرته بالطلاق فقلت : فلعله من أهل هذه الآية وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته .
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أبت المرأة التي قد نشز عليها زوجها= إذ أعرض عنها بالميل منه إلى ضرّتها لجمالها أو شبابها، أو غير ذلك مما تميل النفوس له إليها (54) = الصلحَ بصفحها لزوجها عن يومها وليلتها، (55) وطلبت حقَّها منه من القسم والنفقة، وما أوجب الله لها عليه= وأبى الزوج الأخذَ عليها بالإحسان الذي ندبه الله إليه بقوله: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ، وإلحاقَها في القسم لها والنفقة والعشرة بالتي هو إليها مائل، (56) فتفرقا &; 9-294 &; بطلاق الزوج إياها=" يُغْنِ الله كلا من سعته "، يقول: يغن الله الزوجَ والمرأة المطلقة من سعة فضله. أما هذه، فبزوج هو أصلح لها من المطلِّق الأول، أو برزق أوسع وعصمة. وأما هذا، فبرزق واسع وزوجة هي أصلح له من المطلقة، (57) أو عفة=" وكان الله واسعًا "، يعني: وكان الله واسعًا لهما، في رزقه إياهما وغيرهما من خلقه (58) =" حكيمًا "، فيما قضى بينه وبينها من الفرقة والطلاق، وسائر المعاني التي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الآيات وغيرها، وفي غير ذلك من أحكامه وتدبيره وقضاياه في خلقه. (59)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
10672- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته "، قال: الطلاق. (60)
10673 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
------------------------
الهوامش :
(54) في المطبوعة: "أو أعرض عنها ... مما تميل النفوس به إليها" ، غير"إذ" ، و"له" ، وهما نص المخطوطة ، وهو الصواب. ويعني: مما تميل النفوس من أجله إلى هذه المرأة التي وصف.
(55) في المطبوعة والمخطوطة: "الصلح لصفحها" والصواب ما أثبت ، وقوله: "الصلح" منصوب ، مفعول به لقوله: "فإن أبت المرأة ... الصلح" ، هكذا السياق.
(56) قوله: "وإلحاقها" معطوف في السياق على قوله: "وأبى الزوج الأخذ عليها بالإحسان ... وإلحاقها ...".
(57) انظر تفسير"السعة" فيما سلف ص: 121.
وقوله: "أو عفة" يعني: فبرزق واسع ... أو بعفة.
(58) انظر تفسير"واسع" فيما سلف 2 : 537 / 5 : 516 ، 575 / 6: 517.
(59) انظر تفسير"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
(60) في المطبوعة: "قال: الطلاق ، يغني الله كلا من سعته" ، وليس ذلك كله في المخطوطة بل سقط منها بقية الخبر. فاقتصرت على ما جاء في الدر المنثور 2 : 234 ، عن مجاهد وهو: "قال: الطلاق" ، كما أثبته.