تفسير ابن كثير

هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن : أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ، ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة ، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي : أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها ؟ فترددوا إليه مرارا في ذلك فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : [ أرى ] لها الصداق كاملا . وفي لفظ : لها صداق مثلها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق . ففرح عبد الله بذلك فرحا شديدا . وفي رواية : فقام رجال من أشجع ، فقالوا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق .

ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فإن عدتها بوضع الحمل ، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة ; لعموم قوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] . وكان ابن عباس يرى : أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع ، أو أربعة أشهر وعشر ، للجمع بين الآيتين ، وهذا مأخذ جيد ومسلك قوي ، لولا ما ثبتت به السنة في حديث سبيعة الأسلمية ، المخرج في الصحيحين من غير وجه : أنه توفي عنها زوجها سعد بن خولة ، وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، وفي رواية : فوضعت حملها بعده بليال ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ، فقال لها : ما لي أراك متجملة ؟ لعلك ترجين النكاح . والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشرا . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .

قال أبو عمر بن عبد البر : وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث سبيعة ، يعني لما احتج عليه به . قال : ويصحح ذلك عنه : أن أصحابه أفتوا بحديث سبيعة ، كما هو قول أهل العلم قاطبة .

وكذلك يستثنى من ذلك الزوجة إذا كانت أمة ، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمس ليال ، على قول الجمهور ; لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحد ، فكذلك فلتكن على النصف منها في العدة . ومن العلماء كمحمد بن سيرين وبعض الظاهرية من يسوي بين الزوجات الحرائر والإماء في هذا المقام ; لعموم الآية ، ولأن العدة من باب الأمور الجبلية التي تستوي فيها الخليقة . وقد ذكر سعيد بن المسيب ، وأبو العالية وغيرهما : أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ; لاحتمال اشتمال الرحم على حمل ، فإذا انتظر به هذه المدة ظهر إن كان موجودا ، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح " . فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر ، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه ، والله أعلم .

قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : سألت سعيد بن المسيب : ما بال العشرة ؟ قال : فيه ينفخ الروح . وقال الربيع بن أنس : قلت لأبي العالية : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال : لأنه ينفخ فيها الروح . رواهما ابن جرير . ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد ، في رواية عنه ، إلى أن عدة أم الولد عدة الحرة هاهنا ; لأنها صارت فراشا كالحرائر ، وللحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن عمرو بن العاص أنه قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ورواه أبو داود ، عن قتيبة ، عن غندر وعن ابن المثنى ، عن عبد الأعلى . وابن ماجه ، عن علي بن محمد ، عن وكيع ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة ، عن مطر الوراق ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة ، عن عمرو بن العاص ، فذكره .

وقد روي عن الإمام أحمد أنه أنكر هذا الحديث ، وقيل : إن قبيصة لم يسمع عمرا ، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف ، منهم : سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، وأبو عياض ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز . وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو أمير المؤمنين . وبه يقول الأوزاعي ، وإسحاق ابن راهويه ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه . وقال طاوس وقتادة : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصف عدة الحرة : شهران وخمس ليال . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن صالح بن حي : تعتد بثلاث حيض . وهو قول علي ، وابن مسعود ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي . وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد في المشهور عنه : عدتها حيضة . وبه يقول ابن عمر ، والشعبي ، ومكحول ، والليث ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، والجمهور .

قال الليث : ولو مات وهي حائض أجزأتها . وقال مالك : فلو كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر . وقال الشافعي والجمهور : شهر ، وثلاثة أحب إلي . والله أعلم .

وقوله : ( فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ) يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها ، لما ثبت في الصحيحين ، من غير وجه ، عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمي المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " . وفي الصحيحين أيضا ، عن أم سلمة : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، أفنكحلها ؟ فقال : " لا " . كل ذلك يقول : " لا " مرتين أو ثلاثا . ثم قال : " إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة " . قالت زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ولا شيئا ، حتى تمر بها سنة ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات .

ومن هاهنا ذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها ، وهي قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) [ البقرة : 240 ] ، كما قاله ابن عباس وغيره ، وفي هذا نظر كما سيأتي تقريره .

والغرض أن الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك وهو واجب في عدة الوفاة قولا واحدا ، ولا يجب في عدة الرجعية قولا واحدا ، وهل يجب في عدة البائن ؟ فيه قولان .

ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة والحرة والأمة ، والمسلمة والكافرة ، لعموم الآية . وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه : لا إحداد على الكافرة . وبه يقول أشهب ، وابن نافع من أصحاب مالك . وحجة قائل هذه المقالة قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " : قالوا : فجعله تعبدا . وألحق أبو حنيفة وأصحابه والثوري الصغيرة بها ، لعدم التكليف . وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأمة المسلمة لنقصها . ومحل تقرير ذلك كله في كتب الأحكام والفروع ، والله الموفق للصواب .

وقوله : ( فإذا بلغن أجلهن ) أي : انقضت عدتهن . قاله الضحاك والربيع بن أنس ، ( فلا جناح عليكم ) قال الزهري : أي : على أوليائها ( فيما فعلن ) يعني : النساء اللاتي انقضت عدتهن . قال العوفي عن ابن عباس : إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها ، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف . روي عن مقاتل بن حيان نحوه ، وقال ابن جريج عن مجاهد : ( فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) قال : هو النكاح الحلال الطيب . وروي عن الحسن ، والزهري ، والسدي نحو ذلك .

تفسير السعدي

أي: إذا توفي الزوج, مكثت زوجته, متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا، والحكمة في ذلك, ليتبين الحمل في مدة الأربعة, ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس، وهذا العام مخصوص بالحوامل, فإن عدتهن بوضع الحمل، وكذلك الأمة, عدتها على النصف من عدة الحرة, شهران وخمسة أيام. وقوله: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: انقضت عدتهن { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } أي: من مراجعتها للزينة والطيب، { بِالْمَعْرُوفِ } أي: على وجه غير محرم ولا مكروه. وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة, على المتوفى عنها زوجها, دون غيرها من المطلقات والمفارقات, وهو مجمع عليه بين العلماء. { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي: عالم بأعمالكم, ظاهرها وباطنها, جليلها وخفيها, فمجازيكم عليها. وفي خطابه للأولياء بقوله: { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } دليل على أن الولي ينظر على المرأة, ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب, وأنه مخاطب بذلك, واجب عليه.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير فيه خمس وعشرون مسألة : الأولى : قوله تعالى : والذين يتوفون منكم لما ذكر عز وجل عدة الطلاق واتصل بذكرها ذكر الإرضاع ، ذكر عدة الوفاة أيضا ، لئلا يتوهم أن عدة الوفاة مثل عدة الطلاق . ( والذين ) أي والرجال الذين يموتون منكم . ويذرون أزواجا أي يتركون أزواجا ، أي ولهم زوجات ، فالزوجات يتربصن ، قال معناه الزجاج واختاره النحاس . وحذف المبتدإ في الكلام كثير ، كقوله تعالى : قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار ؛ أي هو النار . وقال أبو علي الفارسي : تقديره والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم ، وهو كقولك : السمن منوان بدرهم ، أي منوان منه بدرهم . وقيل : التقدير وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن ، فجاءت العبارة في غاية الإيجاز وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى : وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون . وقال بعض نحاة الكوفة : الخبر عن " الذين " متروك ، والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن ، وهذا اللفظ معناه الخبر عن المشروعية في أحد الوجهين كما تقدم .

الثانية : هذه الآية في عدة المتوفى عنها زوجها ، وظاهرها العموم ومعناها الخصوص . وحكى المهدوي عن بعض العلماء أن الآية تناولت الحوامل ثم نسخ ذلك بقوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . وأكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله عز وجل : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ؛ لأن الناس أقاموا برهة من الإسلام إذا توفي الرجل وخلف امرأته حاملا أوصى لها زوجها بنفقة سنة وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج ، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر وبالميراث . وقال قوم : ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول ، كصلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى الاثنتين لم يكن هذا نسخا . وهذا غلط بين ؛ لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج ، فإن خرجت لم تمنع ، ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا ، وهذا هو النسخ ، وليست صلاة المسافر من هذا في شيء . وقد قالت عائشة رضي الله عنها : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر بحالها ، وسيأتي .

الثالثة : عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وضع حملها عند جمهور العلماء . وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن تمام عدتها آخر الأجلين ، واختاره سحنون من علمائنا . وقد روي هذا عن ابن عباس أنه رجع عن هذا . والحجة لما روي عن علي وابن عباس روم الجمع بين قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وبين قوله : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، وذلك أنها إذا قعدت أقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين ، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة ، والجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول . وهذا نظر حسن لولا ما يعكر عليه من حديث سبيعة الأسلمية وأنها نفست بعد وفاة زوجها بليال ، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج ، أخرجه في الصحيح . فبين الحديث أن قوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن ، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنفين ، ويعتضد هذا بقول ابن مسعود : ومن شاء باهلته أن آية النساء القصرى نزلت بعد آية عدة الوفاة . قال علماؤنا : وظاهر كلامه أنها ناسخة لها وليس ذلك مراده . والله أعلم . وإنما يعني أنها مخصصة لها ، فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها . وكذلك حديث سبيعة متأخر عن عدة الوفاة ؛ لأن قصة سبيعة كانت بعد حجة الوداع ، وزوجها هو سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرا ، توفي بمكة حينئذ وهي حامل ، وهو الذي رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة ، وولدت بعده بنصف شهر . وقال البخاري : بأربعين ليلة . وروى مسلم من حديث عمر بن عبد الله بن الأرقم أن سبيعة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالت : فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدا لي . قال ابن شهاب : ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها ، غير أن زوجها لا يقربها حتى تطهر ، وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفقهاء . وقال الحسن والشعبي والنخعي وحماد : لا تنكح النفساء ما دامت في دم نفاسها . فاشترطوا شرطين : وضع الحمل ، والطهر من دم النفاس . والحديث حجة عليهم ، ولا حجة لهم في قوله : فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب كما في صحيح مسلم وأبي داود ؛ لأن ( تعلت ) وإن كان أصله طهرت من دم نفاسها - على ما قاله الخليل - فيحتمل أن يكون المراد به هاهنا تعلت من آلام نفاسها ، أي استقلت من أوجاعها . ولو سلم أن معناه ما قال الخليل فلا حجة فيه ، وإنما الحجة في قوله عليه السلام لسبيعة : قد حللت حين وضعت فأوقع الحل في حين الوضع وعلقه عليه ، ولم يقل إذا انقطع دمك ولا إذا طهرت ، فصح ما قاله الجمهور .

الرابعة : ولا خلاف بين العلماء على أن أجل كل حامل مطلقة يملك الزوج رجعتها أو لا يملك ، حرة كانت أو أمة أو مدبرة أو مكاتبة أن تضع حملها .

واختلفوا في أجل الحامل المتوفى عنها كما تقدم ، وقد أجمع الجميع بلا خلاف بينهم أن رجلا لو توفي وترك امرأة حاملا فانقضت أربعة أشهر وعشر أنها لا تحل حتى تلد ، فعلم أن المقصود الولادة .

الخامسة : قوله تعالى : ( يتربصن ) التربص : التأني والتصبر عن النكاح ، وترك الخروج عن مسكن النكاح وذلك بألا تفارقه ليلا . ولم يذكر الله تعالى السكنى للمتوفى عنها في كتابه كما ذكرها للمطلقة بقوله تعالى : أسكنوهن وليس في لفظ العدة في كتاب الله تعالى ما يدل على الإحداد ، وإنما قال : يتربصن فبينت السنة جميع ذلك . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد ، وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه ، وهذا قول جمهور العلماء . وقال الحسن بن أبي الحسن : ليس الإحداد بشيء ، إنما تتربص عن الزوج ، ولها أن تتزين وتتطيب ، وهذا ضعيف لأنه خلاف السنة على ما نبينه إن شاء الله تعالى . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفريعة بنت مالك بن سنان وكانت متوفى عنها : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، وهذا حديث ثابت أخرجه مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، رواه عنه مالك والثوري ووهيب بن خالد وحماد بن زيد وعيسى بن يونس وعدد كثير وابن عيينة والقطان وشعبة ، وقد رواه مالك عن ابن شهاب وحسبك ، قال الباجي : لم يرو عنه غيره ، وقد أخذ به عثمان بن عفان . قال أبو عمر : وقضى به في اعتداد المتوفى عنها في بيتها ، وهو حديث معروف مشهور عند علماء الحجاز والعراق أن المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ولا تخرج عنه ، وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر . وكان داود يذهب إلى أن المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتد في بيتها وتعتد حيث شاءت ؛ لأن السكنى إنما ورد به القرآن في المطلقات ، ومن حجته أن المسألة مسألة خلاف . قالوا : وهذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم ، وإيجاب السكنى إيجاب حكم ، والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب الله أو سنة أو إجماع . قال أبو عمر : أما السنة فثابتة بحمد الله ، وأما الإجماع فمستغنى عنه بالسنة ؛ لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة ، وبالله التوفيق : وروي عن علي وابن عباس وجابر وعائشة مثل قول داود ، وبه قال جابر بن زيد وعطاء والحسن البصري . قال ابن عباس : إنما قال الله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل يعتددن في بيوتهن ، ولتعتد حيث شاءت ، وروي عن أبي حنيفة . وذكر عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الزهري عن عروة قال : خرجت عائشة بأختها أم كلثوم - حين قتل عنها زوجها طلحة بن عبيد الله - إلى مكة في عمرة ، وكانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها . قال : وحدثنا الثوري عن عبيد الله بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول : أبى الناس ذلك عليها . قال : وحدثنا معمر عن الزهري قال : أخذ المترخصون في المتوفى عنها زوجها بقول عائشة ، وأخذ أهل الورع والعزم بقول ابن عمر . وفي الموطأ : أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج . وهذا من عمر رضي الله عنه اجتهاد ؛ لأنه كان يرى اعتداد المرأة في منزل زوجها المتوفى عنها لازما لها ، وهو مقتضى القرآن والسنة ، فلا يجوز لها أن تخرج في حج ولا عمرة حتى تنقضي عدتها . وقال مالك : ترد ما لم تحرم .

السادسة : إذا كان الزوج يملك رقبة المسكن فإن للزوجة العدة فيه ، وعليه أكثر الفقهاء : مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم لحديث الفريعة . وهل يجوز بيع الدار إذا كانت ملكا للمتوفى وأراد ذلك الورثة ، فالذي عليه جمهور أصحابنا أن ذلك جائز ، ويشترط فيه العدة للمرأة . قال ابن القاسم : لأنها أحق بالسكنى من الغرماء . وقال محمد بن الحكم : البيع فاسد ؛ لأنها قد ترتاب فتمتد عدتها . وجه قول ابن القاسم : أن الغالب السلامة ، والريبة نادرة وذلك لا يؤثر في فساد العقود ، فإن وقع البيع فيه بهذا الشرط فارتابت ، قال مالك في كتاب محمد : هي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة ، وأحب إلينا أن يكون للمشتري الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ولا يرجع بشيء ؛ لأنه دخل على العدة المعتادة ، ولو وقع البيع بشرط زوال الريبة كان فاسدا . وقال سحنون : لا حجة للمشتري وإن تمادت الريبة إلى خمس سنين ؛ لأنه دخل على العدة والعدة قد تكون خمس سنين ، ونحو هذا روى أبو زيد عن ابن القاسم .

السابعة : فإن كان للزوج السكنى دون الرقبة ، فلها السكنى في مدة العدة ، خلافا لأبي حنيفة والشافعي ، لقوله عليه السلام للفريعة - وقد علم أن زوجها لا يملك رقبة المسكن - : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . لا يقال إن المنزل كان لها ، فلذلك قال لها : ( امكثي في بيتك ) فإن معمرا روى عن الزهري أنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها قتل ، وأنه تركها في مسكن ليس لها واستأذنته ، وذكر الحديث . ولنا من جهة المعنى أنه ترك دارا يملك سكناها ملكا لا تبعة عليه فيه ، فلزم أن تعتد الزوجة فيه ، أصل ذلك إذا ملك رقبتها .

الثامنة : وهذا إذا كان قد أدى الكراء ، وأما إذا كان لم يؤد الكراء فالذي في المدونة : أنه لا سكنى لها في مال الميت وإن كان موسرا ؛ لأن حقها إنما يتعلق بما يملكه من السكنى ملكا تاما ، وما لم ينقد عوضه لم يملكه ملكا تاما ، وإنما ملك العوض الذي بيده ، ولا حق في ذلك للزوجة إلا بالميراث دون السكنى ؛ لأن ذلك مال وليس بسكنى . وروى محمد عن مالك أن الكراء لازم للميت في ماله .

التاسعة : قوله صلى الله عليه وسلم للفريعة : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله يحتمل أنه أمرها بذلك لما كان زوجها قد أدى كراء المسكن ، أو كان أسكن فيه إلى وفاته ، أو أن أهل المنزل أباحوا لها العدة فيه بكراء أو غير كراء ، أو ما شاء الله تعالى من ذلك مما رأى به أن المقام لازم لها فيه حتى تنقضي عدتها .

العاشرة : واختلفوا في المرأة يأتيها نعي زوجها وهي في بيت غير بيت زوجها ، فأمرها بالرجوع إلى مسكنه وقراره مالك بن أنس ، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه . وقال سعيد بن المسيب والنخعي : تعتد حيث أتاها الخبر ، لا تبرح منه حتى تنقضي العدة . قال ابن المنذر : قول مالك صحيح ، إلا أن يكون نقلها الزوج إلى مكان فتلزم ذلك المكان .

الحادية عشرة : ويجوز لها أن تخرج في حوائجها من وقت انتشار الناس بكرة إلى وقت هدوئهم بعد العتمة ، ولا تبيت إلا في ذلك المنزل . وفي البخاري ومسلم عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار . وفي حديث أم حبيبة : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا الحديث . الإحداد : ترك المرأة الزينة كلها من اللباس والطيب والحلي والكحل والخضاب بالحناء ما دامت في عدتها ؛ لأن الزينة داعية إلى الأزواج ، فنهيت عن ذلك قطعا للذرائع ، وحماية لحرمات الله تعالى أن تنتهك ، وليس دهن المرأة رأسها بالزيت والشيرج من الطيب في شيء . يقال : امرأة حاد ومحد . قال الأصمعي : ولم نعرف ( حدت ) . وفاعل ( لا يحل ) المصدر الذي يمكن صياغته من ( تحد ) مع ( أن ) المرادة ، فكأنه قال : الإحداد .

الثانية عشرة : وصفه عليه السلام المرأة بالإيمان يدل على صحة أحد القولين عندنا في الكتابية المتوفى عنها زوجها أنها لا إحداد عليها ، وهو قول ابن كنانة وابن نافع ، ورواه أشهب عن مالك ، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر ، وروي عن ابن القاسم أن عليها الإحداد كالمسلمة ، وبه قال الليث والشافعي وأبو ثور وعامة أصحابنا ؛ لأنه حكم من أحكام العدة فلزمت الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة .

الثالثة عشرة : وفي قوله عليه السلام : ( فوق ثلاث إلا على زوج ) دليل على تحريم إحداد المسلمات على غير أزواجهن فوق ثلاث ، وإباحة الإحداد عليهم ثلاثا تبدأ بالعدد من الليلة التي تستقبلها إلى آخر ثالثها ، فإن مات حميمها في بقية يوم أو ليلة ألغته وحسبت من الليلة القابلة .

الرابعة عشرة : هذا الحديث بحكم عمومه يتناول الزوجات كلهن المتوفى عنهن أزواجهن ، فيدخل فيه الإماء والحرائر والكبار والصغار ، وهو مذهب الجمهور من العلماء . وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا إحداد على أمة ولا على صغيرة ، حكاه عنه القاضي أبو الوليد الباجي . قال ابن المنذر : أما الأمة الزوجة فهي داخلة في جملة الأزواج وفي عموم الأخبار ، وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ، ولا أحفظ في ذلك عن أحد خلافا ، ولا أعلمهم يختلفون في الإحداد على أم الولد إذا مات سيدها ؛ لأنها ليست بزوجة ، والأحاديث إنما جاءت في الأزواج . قال الباجي : الصغيرة إذا كانت ممن تعقل الأمر والنهي وتلتزم ما حد لها أمرت بذلك ، وإن كانت لا تدرك شيئا من ذلك لصغرها فروى ابن مزين عن عيسى يجنبها أهلها جميع ما تجتنبه الكبيرة ، وذلك لازم لها . والدليل على وجوب الإحداد على الصغيرة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة عن بنت لها توفي عنها زوجها فاشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ) مرتين أو ثلاثا ، كل ذلك يقول ( لا ) ولم يسأل عن سنها ، ولو كان الحكم يفترق بالصغر والكبر لسأل عن سنها حتى يبين الحكم ، وتأخير البيان في مثل هذا لا يجوز ، وأيضا فإن كل من لزمتها العدة بالوفاة لزمها الإحداد كالكبيرة .

الخامسة عشرة : : قال ابن المنذر : ولا أعلم خلافا أن الخضاب داخل في جملة الزينة المنهي عنها . وأجمعوا على أنه لا يجوز لها لباس الثياب المصبغة والمعصفرة ، إلا ما صبغ بالسواد فإنه رخص فيه عروة بن الزبير ومالك والشافعي ، وكرهه الزهري . وقال الزهري : لا تلبس ثوب عصب ، وهو خلاف الحديث . وفي المدونة قال مالك : لا تلبس رقيق عصب اليمن ، ووسع في غليظه . قال ابن القاسم : لأن رقيقه بمنزلة الثياب المصبغة وتلبس رقيق الثياب وغليظه من الحرير والكتان والقطن . قال ابن المنذر : ورخص كل من أحفظ عنه في لباس البياض ، قال القاضي عياض : ذهب الشافعي إلى أن كل صبغ كان زينة لا تمسه الحاد رقيقا كان أو غليظا . ونحوه للقاضي عبد الوهاب قال : كل ما كان من الألوان تتزين به النساء لأزواجهن فلتمتنع منه الحاد . ومنع بعض مشايخنا المتأخرين جيد البياض الذي يتزين به ، وكذلك الرفيع من السواد . وروى ابن المواز عن مالك : لا تلبس حليا وإن كان حديدا ، وفي الجملة أن كل ما تلبسه المرأة على وجه ما يستعمل عليه الحلي من التجمل فلا تلبسه الحاد . ولم ينص أصحابنا على الجواهر واليواقيت والزمرد وهو داخل في معنى الحلي . والله أعلم .

السادسة عشرة : وأجمع الناس على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها ، إلا الحسن فإنه قال : ليس بواجب ، واحتج بما رواه عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت : لما أصيب جعفر بن أبي طالب قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت . قال ابن المنذر : كان الحسن البصري من بين سائر أهل العلم لا يرى الإحداد ، وقال : المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها تكتحلان وتختضبان وتصنعان ما شاءا . وقد ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإحداد ، وليس لأحد بلغته إلا التسليم ، ولعل الحسن لم تبلغه ، أو بلغته فتأولها بحديث أسماء بنت عميس أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تحد على جعفر وهى امرأته ، فأذن لها ثلاثة أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي . قال ابن المنذر ، وقد دفع أهل العلم هذا الحديث بوجوه ، وكان أحمد بن حنبل يقول : هذا الشاذ من الحديث لا يؤخذ به ، وقاله إسحاق .

السابعة عشرة : ذهب مالك والشافعي إلى أن لا إحداد على مطلقة ، رجعية كانت أو بائنة واحدة أو أكثر ، وهو قول ربيعة وعطاء . وذهب الكوفيون : أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد إلى أن المطلقة ثلاثا عليها الإحداد ، وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن سيرين والحكم بن عيينة . قال الحكم : هو عليها أوكد وأشد منه على المتوفى عنها زوجها ، ومن جهة المعنى أنهما جميعا في عدة يحفظ بها النسب . وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : الاحتياط أن تتقي المطلقة الزينة . قال ابن المنذر : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا دليل على أن المطلقة ثلاثا والمطلق حي لا إحداد عليها .

الثامنة عشرة : أجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها ثم توفي قبل انقضاء العدة أن عليها عدة الوفاة وترثه . واختلفوا في عدة المطلقة ثلاثا في المرض ، فقالت طائفة تعتد عدة الطلاق ، هذا قول مالك والشافعي ويعقوب وأبي عبيد وأبي ثور . قال ابن المنذر : وبه نقول ؛ لأن الله تعالى جعل عدة المطلقات الأقراء ، وقد أجمعوا على المطلقة ثلاثا لو ماتت لم يرثها المطلق ، وذلك لأنها غير زوجة ، وإذا كانت غير زوجة فهو غير زوج لها . وقال الثوري : تعتد بأقصى العدتين . وقال النعمان ومحمد : عليها أربعة أشهر وعشر تستكمل في ذلك ثلاث حيض .

التاسعة عشرة : واختلفوا في المرأة يبلغها وفاة زوجها أو طلاقه ، فقالت طائفة : العدة في الطلاق والوفاة من يوم يموت أو يطلق ، هذا قول ابن عمر وابن مسعود وابن عباس ، وبه قال مسروق وعطاء وجماعة من التابعين ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر . وفيه قول ثان وهو أن عدتها من يوم يبلغها الخبر ، روي هذا القول عن علي ، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء الخراساني وجلاس بن عمرو . وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز : إن قامت بينة فعدتها من يوم مات أو طلق ، وإن لم تقم بينة فمن يوم يأتيها الخبر ، والصحيح الأول ؛ لأنه تعالى علق العدة بالوفاة أو الطلاق ، ولأنها لو علمت بموته فتركت الإحداد انقضت العدة ، فإذا تركته مع عدم العلم فهو أهون ، ألا ترى أن الصغيرة تنقضي عدتها ولا إحداد عليها . وأيضا فقد أجمع العلماء على أنها لو كانت حاملا لا تعلم طلاق الزوج أو وفاته ثم وضعت حملها أن عدتها منقضية . ولا فرق بين هذه المسألة وبين المسألة المختلف فيها . ووجه من قال بالعدة من يوم يبلغها الخبر ، أن العدة عبادة بترك الزينة وذلك لا يصح إلا بقصد ونية ، والقصد لا يكون إلا بعد العلم . والله أعلم .

الموفية عشرين : عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض ، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية - دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل - وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لعموم الآية في قوله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا . وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران وخمس ليال . قال ابن العربي : نصف عدة الحرة إجماعا ، إلا ما يحكى عن الأصم فإنه سوى فيها بين الحرة والأمة وقد سبقه الإجماع ، لكن لصممه لم يسمع . قال الباجي : ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروى عن ابن سيرين ، وليس بالثابت عنه أنه قال : عدتها عدة الحرة .

قلت : قول الأصم صحيح من حيث النظر ، فإن الآيات الواردة في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة ، فعدة الحرة والأمة سواء على هذا النظر ، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة ، وكما استوت الأمة والحرة في النكاح فكذلك تستوي معها في العدة . والله أعلم . قال ابن العربي : وروي عن مالك أن الكتابية تعتد بثلاث حيض إذ يبرأ الرحم ، وهذا منه فاسد جدا ؛ لأنه أخرجها من عموم آية الوفاة وهي منها وأدخلها في عموم آية الطلاق وليست منها .

قلت : وعليه بناء ما في المدونة لا عدة عليها إن كانت غير مدخول بها ؛ لأنه قد علم براءة رحمها ، هذا يقتضي أن تتزوج مسلما أو غيره إثر وفاته ؛ لأنه إذا لم يكن عليها عدة للوفاة ولا استبراء للدخول فقد حلت للزواج .

الحادية والعشرون : واختلفوا في عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها ، فقالت طائفة : عدتها أربعة أشهر وعشر ، قاله جماعة من التابعين منهم سعيد والزهري والحسن البصري وغيرهم ، وبه قال الأوزاعي وإسحاق . وروى أبو داود والدارقطني عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ، يعني في أم الولد ، لفظ أبي داود . وقال الدارقطني : موقوف . وهو الصواب ، وهو مرسل لأن قبيصة لم يسمع من عمرو . قال ابن المنذر : وضعف أحمد وأبو عبيد هذا الحديث . وروي عن علي وابن مسعود أن عدتها ثلاث حيض ، وهو قول عطاء وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي ، قالوا : لأنها عدة تجب في حال الحرية ، فوجب أن تكون عدة كاملة ، أصله عدة الحرة . وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : عدتها حيضة ، وهو قول ابن عمر . وروي عن طاوس أن عدتها نصف عدة الحرة المتوفى عنها ، وبه قال قتادة . قال ابن المنذر : وبقول ابن عمر أقول ؛ لأنه الأقل مما قيل فيه وليس فيه سنة تتبع ولا إجماع يعتمد عليه . وذكر اختلافهم في عدتها في العتق كهو في الوفاة سواء ، إلا أن الأوزاعي جعل عدتها في العتق ثلاث حيض .

قلت : أصح هذه الأقوال قول مالك ؛ لأن الله سبحانه قال : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فشرط في تربص الأقراء أن يكون عن طلاق ، فانتفى بذلك أن يكون عن غيره . وقال : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فعلق وجوب ذلك بكون المتربصة زوجة ، فدل على أن الأمة بخلافها . وأيضا فإن هذه أمة موطوءة بملك اليمين فكان استبراؤها بحيضة ، أصل ذلك الأمة .

الثانية والعشرون : إذا ثبت هذا فهل عدة أم الولد استبراء محض أو عدة ، فالذي ذكره أبو محمد في معونته أن الحيضة استبراء وليست بعدة . وفي المدونة أن أم الولد عليها العدة ، وأن عدتها حيضة كعدة الحرة ثلاث حيض . وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا هي عدة فقد قال مالك : لا أحب أن تواعد أحدا ينكحها حتى تحيض حيضة . قال ابن القاسم : وبلغني عنه أنه قال : لا تبيت إلا في بيتها ، فأثبت لمدة استبرائها حكم العدة .

الثالثة والعشرون : أجمع أهل العلم على أن نفقة المطلقة ثلاثا أو مطلقة للزوج عليها رجعة وهي حامل واجبة ، لقوله تعالى : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن .

واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها ، فقالت طائفة : لا نفقة لها ، كذلك قال جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق ، وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي . وفيه قول ثان وهو أن لها النفقة من جميع المال ، وروي هذا القول عن علي وعبد الله وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي وجلاس بن عمرو وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول ؛ لأنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه ، فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه . وقال القاضي أبو محمد : لأن نفقة الحمل ليست بدين ثابت فتتعلق بماله بعد موته ، بدليل أنها تسقط عنه بالإعسار فبأن تسقط بالموت أولى وأحرى .

الرابعة والعشرون : قوله تعالى : أربعة أشهر وعشرا اختلف العلماء في الأربعة الأشهر والعشر التي جعلها الله ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها ، هل تحتاج فيها إلى حيضة أم لا ، فقال بعضهم : لا تبرأ إذا كانت ممن توطأ إلا بحيضة تأتي بها في الأربعة الأشهر والعشر ، وإلا فهي مسترابة . وقال آخرون : ليس عليها أكثر من أربعة أشهر وعشر ، إلا أن تستريب نفسها ريبة بينة ؛ لأن هذه المدة لا بد فيها من الحيض في الأغلب من أمر النساء إلا أن تكون المرأة ممن لا تحيض أو ممن عرفت من نفسها أو عرف منها أن حيضتها لا تأتيها إلا في أكثر من هذه المدة .

الخامسة والعشرون : قوله تعالى : وعشرا روى وكيع عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه سئل : لم ضمت العشر إلى الأربعة الأشهر ؟ قال : لأن الروح تنفخ فيها ، وسيأتي في الحج بيان هذا إن شاء الله تعالى . وقال الأصمعي : ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض . وقال غيره : أركضت فهي مركضة وأنشد : ( للشاعر أوس بن علفاء الهجيمي ) :

ومركضة صريحي أبوها تهان لها الغلامة والغلام

وقال الخطابي : قوله وعشرا يريد - والله أعلم - الأيام بلياليها . وقال المبرد : إنما أنث العشر لأن المراد به المدة . المعنى وعشر مدد ، كل مدة من يوم وليلة ، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر . وقيل : لم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها . ( وعشرا ) أخف في اللفظ ، فتغلب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ ؛ لأن ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال ، فلما كان أول الشهر الليلة غلب الليلة ، تقول : صمنا خمسا من الشهر ، فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار . وذهب مالك والشافعي والكوفيون إلى أن المراد بها الأيام والليالي . قال ابن المنذر : فلو عقد عاقد عليها النكاح على هذا القول وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليال كان باطلا حتى يمضي اليوم العاشر . وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت للأزواج ، وذلك لأنه رأى العدة مبهمة فغلب التأنيث وتأولها على الليالي . وإلى هذا ذهب الأوزاعي من الفقهاء وأبو بكر الأصم من المتكلمين . وروي عن ابن عباس أنه قرأ " أربعة أشهر وعشر ليال " .

قوله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير فيه ثلاث مسائل : الأولى : أضاف تعالى الأجل إليهن إذ هو محدود مضروب في أمرهن ، وهو عبارة عن انقضاء العدة .

الثانية : قوله تعالى : فلا جناح عليكم خطاب لجميع الناس ، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء . فيما فعلن يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد . ( بالمعروف ) أي بما أذن فيه الشرع من اختيار أعيان الأزواج وتقدير الصداق دون مباشرة العقد ؛ لأنه حق للأولياء كما تقدم .

الثالثة : وفي هذه الآية دليل على أن للأولياء منعهن من التبرج والتشوف للزوج في زمان العدة . وفيها رد على إسحاق في قوله : إن المطلقة إذا طعنت في الحيضة الثالثة بانت وانقطعت رجعة الزوج الأول ، إلا أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل . وعن شريك أن لزوجها الرجعة ما لم تغتسل ولو بعد عشرين سنة ، قال الله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن وبلوغ الأجل هنا انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ولم يذكر غسلا ، فإذا انقضت عدتها حلت للأزواج ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك . والحديث عن ابن عباس لو صح يحتمل أن يكون منه على الاستحباب ، والله أعلم .

تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم، من الرجال، أيها الناس, فيموتون، ويذرون أزواجا، يتربص أزواجهن بأنفسهن. (1)

* * *

فإن قال قائل: فأين الخبر عن " الذين يتوفون "؟

قيل: متروك، لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم, وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن, فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات، إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة, إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام. وهو نظير قول القائل في الكلام: (2) " بعض جبتك متخرقة "، (3) في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام، إلى الخبر عن بعض أسبابه. وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن، صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره، إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه, كما قال الشاعر: (4)

لعـلي إن مـالت بـي الـرٌيح ميلـة

عــلى ابـن أبـي ذبـان أن يتندمـا (5)

&; 5-78 &;

فقال " لعلي", ثم قال: " أن يتندما ", لأن معنى الكلام: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم، (6) إن مالت بي الريح ميلة عليه= فرجع بالخبر إلى الذي أراد به, وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره. ومنه قول الشاعر:

ألــم تعلمــوا أن ابـن قيس وقتلـه

بغـــير دم, دار المذلــة حــلت (7)

فألغى " ابن قيس " وقد ابتدأ بذكره، وأخبر عن قتله أنه ذل. (8)

* * *

وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر " الذين يتوفون " متروك, وأن معنى الكلام: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم. وزعم أنه لم يذكر " موتهم "، كما يحذف بعض الكلام- وأن " يتربصن " رفع، إذ وقع موقع " ينبغي", و " ينبغي" رفع. وقد دللنا على فساد قول من قال في رفع " يتربصن " &; 5-79 &; بوقوعه موقع " ينبغي" فيما مضى, فأغنى عن إعادته. (9)

* * *

وقال آخر منهم: (10) إنما لم يذكر " الذين " بشيء, لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء: " من يلقك منا تصب خيرا "= الذي يلقاك منا تصيب خيرا. (11) قال: ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء.

* * *

قال أبو جعفر: وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا. (12)

* * *

قال أبوجعفر: وأما قوله: " يتربصن بأنفسهن "، فإنه يعني به: يحتبسن بأنفسهن (13) معتدات عن الأزواج، والطيب، والزينة، والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن- أربعة أشهر وعشرا، إلا أن يكن حوامل, فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن. فإذا وضعن حملهن، انقضت عددهن حينئذ.

* * *

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:

فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه:

5071- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها.

&; 5-80 &;

5072- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب في قول الله: (14) " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، قال ابن شهاب: جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها, فإن كانت حاملا فيحلها من عدتها أن تضع حملها, وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشرة فما استأخر, لا يحلها إلا أن تضع حملها.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما قلنا: عنى ب " التربص " ما وصفنا، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بما: -

5073- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وأبو أسامة, عن شعبة= وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة= ، عن حميد بن نافع قال: سمعت زينب ابنة أم سلمة تحدث= قال أبو كريب: قال أبو أسامة: عن أم سلمة= أن امرأة توفى عنها زوجها واشتكت عينها, فأتت النبي صلي الله عليه وسلم تستفتيه في الكحل, فقال: لقد كانت إحداكن تكون في الجاهلية في شر أحلاسها، (15) فتمكث في بيتها حولا إذا توفي عنها زوجها, فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة! أفلا أربعة أشهر وعشرا "! (16)

&; 5-81 &;

5074- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال، سمعت نافعا, عن صفية ابنة أبي عبيد: أنها سمعت حفصة ابنة عمر زوج النبي صلي الله عليه وسلم تحدث، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا "= قال يحيى: والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران، (17) ولا تكتحل، ولا تزين. (18)

&; 5-82 &;

5075- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا يحيى, عن نافع, عن صفية ابنة أبي عبيد, عن حفصة ابنة عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج.

5076- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول، أخبرني حميد بن نافع: أن زينب ابنة أم سلمة أخبرته، عن أم سلمة -أو أم حبيبة- زوج النبي صلي الله عليه وسلم: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم, فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها, وأنها قد خافت على عينها= فزعم حميد عن زينب: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول, وإنما هي أربعة أشهر وعشر. (19) .

&; 5-83 &;

5077- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا يحيى بن سعيد , عن حميد بن نافع: أنه سمع زينب ابنة أم سلمة، تحدث عن أم حبيبة أو أم سلمة أنها ذكرت: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم قد توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، وهي تريد أن تكحل عينها, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة بعد الحول, وإنما هي أربعة أشهر وعشر= قال ابن بشار، قال يزيد, قال يحيى: فسألت حميدا عن رميها بالبعرة، قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، عمدت إلى شر بيتها فقعدت فيه حولا فإذا مرت بها سنة ألقت بعرة وراءها. (20)

5078- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا شعبة, عن يحيى, عن حميد بن نافع بهذا الإسناد مثله (21)

&; 5-84 &;

5079- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا ابن عيينة, عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع, عن زينب ابنة أم سلمة, عن أم سلمة: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها, أفتكتحل؟ (22) فقال، قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول, وإنما هي الآن أربعة أشهر وعشر! = قال، قلت: وما " ترمي بالبعرة على رأس الحول "؟ قال: كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهن، لبست أطمار ثيابها، (23) وجلست في أخس بيوتها, فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار وقالت: قد حللت! (24)

5080- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا يحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع، عن زينب ابنة أم سلمة, عن أمها أم سلمة وأم حبيبة زوجي النبي صلي الله عليه وسلم: أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها, وقد خفت على عينها, وهي تريد الكحل؟ قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول! وإنما هي أربعة أشهر وعشر! = قال حميد: فقلت لزينب: وما رأس الحول؟ قالت زينب: كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها، عمدت إلى أشر بيت لها &; 5-85 &; فجلست فيه، (25) حتى إذا مرت بها سنة خرجت, ثم رمت ببعرة وراءها. (26)

5081- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك, عن معمر, عن الزهري, عن عروة عن عائشة: أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها، أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها, ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا معصفرا, ولا تكتحل بالإثمد, ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها, ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مما ليس فيه طيب, ولا تلبس حليا، وتلبس البياض ولا تلبس السواد. (27)

5082- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن موسى بن عقبة, عن نافع, عن ابن عمر في المتوفى عنها زوجها: لا تكتحل, ولا تطيب, ولا تبيت عن بيتها, ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب تجلبب به. (28)

&; 5-86 &;

5083- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا ابن جريج, عن عطاء قال: بلغني عن ابن عباس قال: تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزين وتطيب.

5084- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر قال: إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا, ولا تمس طيبا, ولا تكتحل, ولا تمتشط= وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد.

* * *

وقال آخرون: إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة, فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنـزل، فلم تنه عن ذلك, ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه.

* ذكر من قال ذلك:

5085- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس, عن الحسن: أنه كان يرخص في التزين والتصنع, ولا يرى الإحداد شيئا. (29)

5086- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، لم يقل تعتد في بيتها, تعتد حيث شاءت.

5087- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسماعيل قال، حدثنا ابن جريج, عن عطاء قال، قال ابن عباس: إنما قال الله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، ولم يقل تعتد في بيتها, فلتعتد حيث شاءت.

* * *

واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره، إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح، وجعلوا حكم الآية على الخصوص= وبما: -

&; 5-87 &;

5088- حدثني به محمد بن إبراهيم السلمي قال، حدثنا أبو عاصم, وحدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا أبو عامر = قالا جميعا، حدثنا محمد بن طلحة, عن الحكم بن عتيبة, عن عبد الله بن شداد بن الهاد, عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: تسلبي ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت. (30)

&; 5-88 &;

5089- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم وابن الصلت, عن محمد بن طلحة, عن الحكم بن عتيبة, عن عبد الله بن شداد, عن أسماء عن النبي صلي الله عليه وسلم بمثله.

* * *

قالوا: فقد بين هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم: أن لا إحداد على المتوفى عنها زوحها, وأن القول في تأويل قوله: " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره.

* * *

قال أبو جعفر: وأما الذين أوجبوا الإحداد على المتوفى عنها زوجها, وترك النقلة عن منـزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها, فإنهم اعتلوا بظاهر &; 5-89 &; التنـزيل، وقالوا: أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا, فلم يأمرها بالتربص بشيء مسمى في التنـزيل بعينه, بل عم بذلك معاني التربص. قالوا: فالواجب عليها أن تربص بنفسها عن كل شيء, إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها. قالوا: فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة، مما هو داخل في عموم الآية، كما التربص عن الأزواج داخل فيها. قالوا: وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب، أما في النقلة فإن: -

5090- أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن محمد, عن فليح بن سليمان, عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته، عن الفريعة ابنة مالك، أخت أبي سعيد الخدري، قالت: قتل زوجي وأنا في دار, فاستأذنت رسول الله صلي الله عليه وسلم في النقلة, فأذن لي. ثم ناداني بعد أن توليت, فرجعت إليه, فقال: يا فريعة، حتى يبلغ الكتاب أجله. (31)

* * *

&; 5-90 &;

قالوا: فبين رسول الله صلي الله عليه وسلم صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها، [وبطل] ما خالفه. (32) قالوا: وأما ما روي عن ابن عباس: فإنه لا معنى له، بخروجه عن ظاهر التنـزيل والثابت من الخبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم.

قالوا: وأما الخبر الذي روي عن أسماء ابنة عميس، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من أمره إياها بالتسلب ثلاثا, ثم أن تصنع ما بدا لها - فإنه غير دال &; 5-91 &; على أن لا حداد على المرأة، (33) بل إنما دل على أمر النبي صلي الله عليه وسلم إياها بالتسلب ثلاثا, ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه، مما لم يكن زينة ولا مطيبا، (34) لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب، وذلك كالذي أذن صلي الله عليه وسلم للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن, فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب. وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه, فإن لها لبسه, لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس.

* * *

قال أبوجعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، ولم يقل: وعشرة؟ وإذ كان التنـزيل كذلك: أفبالليالي تعتد المتوفى عنها العشر، أم بالأيام؟

قيل: بل تعتد بالأيام بلياليها.

فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فكيف قيل: " وعشرا "؟ ولم يقل: وعشرة؟ والعشر بغير " الهاء " من عدد الليالي دون الأيام؟ فإن أجاز ذلك المعنى فيه ما قلت، (35) فهل تجيز: " عندي عشر "، وأنت تريد عشرة من رجال ونساء؟

قلت: ذلك جائز في عدد الليالي والأيام, وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال النساء. وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة، إذا أبهمت العدد، غلبت فيه الليالي, حتى إنهم فيما روي لنا عنهم ليقولون: " صمنا عشرا من شهر رمضان "، لتغليبهم الليالي على الأيام. وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الأيام. فإذا أظهروا مع العدد مفسره، (36)

أسقطوا من عدد المؤنث " الهاء ", &; 5-92 &; وأثبتوها في عدد المذكر, كما قال تعالى ذكره: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [سورة الحاقة: 7]، فأسقط" الهاء " من " سبع " وأثبتها في" الثمانية ".

وأما بنو آدم, فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء، ثم أبهمت عددها: أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث. وذلك أن الذكران من بني آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم, وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم. وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الأنثى, كما قيل للذكر والأنثى " شاة ", وقيل للذكور والإناث من البقر: " بقر ", وليس كذلك في بني آدم. (37)

* * *

فإن قال: فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام على الأشهر؟

قيل: قد قيل في ذلك، فيما: -

5091- حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "، قال: قلت: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فيه الروح في العشر.

5092- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو عاصم, عن سعيد, عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح.

* * *

&; 5-93 &;

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: (38) فإذا بلغن الأجل الذي أبيح لهن فيه ما كان حظر عليهن في عددهن من وفاة أزواجهن- وذلك بعد انقضاء عددهن , ومضي الأشهر الأربعة والأيام العشرة=" فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "، يقول: فلا حرج عليكم أيها الأولياء -أولياء المرأة- فيما فعل المتوفى عنهن حينئذ في أنفسهن، من تطيب وتزين ونقله من المسكن الذي كن يعتددن فيه، ونكاح من يجوز لهن نكاحه=" بالمعروف "، يعني بذلك: على ما أذن الله لهن فيه وأباحه لهن. (39) .

* * *

وقد قيل: إنما عنى بذلك النكاح خاصة. وقيل إن معنى قوله: " بالمعروف " إنما هو النكاح الحلال.

* ذكر من قال ذلك:

5093- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "، قال: الحلال الطيب.

5094- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "، قال: المعروف النكاح الحلال الطيب.

5095- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال ابن &; 5-94 &; جريج, قال مجاهد: قوله: " فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "، قال: هو النكاح الحلال الطيب.

5096- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: هو النكاح.

5097- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب: " فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "، قال: في نكاح من هويته، إذا كان معروفا. (40)

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " والله بما تعملون "، أيها الأولياء، في أمر من أنتم وليه من نسائكم، من عضلهن وإنكاحهن ممن أردن نكاحه بالمعروف, ولغير ذلك من أموركم وأمورهم, =" خبير "، يعني ذو خبرة وعلم, لا يخفى عليه منه شيء. (41)

-------------------

الهوامش:

(1) في المخطوطة والمطبوعة : "يتربصن" ، وهو في المخطوطة غير منقوط ، والذي أثبته هو الصواب .

(2) في المخطوطة والمطبوعة : "هو نظير" بإسقاط الواو ، والواجب إثباتها .

(3) يعني أن حق الكلام كان أن يقول : "بعض جبنك متخرق" ، بالتذكير خبرا عن"بعض" ، فصرفه إلى"جبتك" .

(4) هو ثابت قطنة العتكي ، واسمه" ثابت بن كعب" . . ذهبت عينه في الحرب ، فكان يحشوها بقطنة ، وهو شاعر فارسي من شعراء خراسان في عهد الدولة الأموية ، قال فيه حاجب الفيل :

لا يعـرف النـاس منـه غـير قطنته

ومـا سـواها مـن الأنسـاب مجهول

(5) تاريخ الطبري 8 : 160 ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 150 ، والصاحبي : 185 ، وهو من قصيدة له يرثى بها يزيد بن المهلب ، لما قتل في سنة 102 في خروجه على يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو"ابن أبي ذبان" . و"أبو ذبان" كنية أبيه عبد الملك بن مروان ، لأنهم زعموا أنه كان أبخر ، فإذا دنت الذبان من فيه ، ماتت لشدة بخره . ورواية الطبري في التاريخ : "فعلى" ، ويقول قبله :

أرقـت ولـم تـأرق معـي أم خـالـد

وقـد أرقـت عينـاي حـولا مجرمـا

عــلى هـالك هـد العشـيرة فقـده,

دعتــه المنايــا فاسـتجاب وسـلما

عـلى ملـك, يـا صاح, بالعقر جبنـت

كتائبــه, واسـتورد المـوت معلمـا

أصيـب ولـم أشـهد, ولو كنت شاهدا

تسـليت أن لـم يجـمع الحـي مأتمـا

وفـي غـير الأيـام يـا هند, فاعلمي,

لطــالب وتــر نظــرة إن تلومـا

فعلي, إن مالت . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكان في المطبوعة والمخطوطة : "ابن أبي زبان" وهو خطأ كما ترى .

(6) في والمخطوطة والمطبوعة : "ابن أبي زبان" وهو خطأ .

(7) لم أعرف قائله ، والبيت في معاني القرآن للفراء 1 : 150 ، والصاحبي : 185 ، وروايتهما بني أسد إن ابن قيس وقتله

(8) هذا الذي سلف أكثره نص الفراء في معاني القرآن 1 : 150-151 ، وفي معاني القرآن"فألقى ابن قيس" ، والصواب ما في الطبري .

(9) انظر ما سلف في الجزء 5 : 47 ، 48 .

(10) في المطبوعة : "وقال آخرون منهم" ، والصواب ما في المخطوطة .

(11) في المطبوعة : "من يلقك منا يصيب خيرا" ، ثم"يصيب خيرا" ، والصواب ما أثبته"تصب" في الجملة الأولى مجزومة ، وبالتاء في أوله ، ثم"تصيب" بالتاء في الثانية .

(12) في المطبوعة : "الدلالة الواضحة" وأثبت ما في المخطوطة .

(13) انظر فيما سلف تفسير"التربص" 4 : 456 ، 515 .

(14) في المخطوطة والمطبوعة : "عن قول الله" ، والصواب ما أثبته .

(15) الأحلاس جمع حلس : وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة ، وكل ما يبسط تحت حر المتاع ليقيه فهو حلس . وعنى به هنا : المرذول من ثيابها .

(16) الحديث 5073-"حميد بن نافع الأنصاري المدني" : تابعي ثقة . روى عن أبي أيوب ، وعبد الله بن عمر ، وروى عن زينب بنت أم سلمة . وهو والد"أفلح بن حميد" . ويقال له"حميد صفيراء" . ففرق البخاري في الكبير 1 / 2 / 345 بين"حميد صفيراء ، والد أفلح" ، الراوي عن أبي أيوب وابن عمر ، وبين"حميد" الراوي عن زينب ، جعلهما اثنين تبعا لشيخه علي بن المديني ، وروى هو عن شعبة أنهما واحد . وهو الصحيح الذي جزم به الإمام أحمد . فقد روى في المسند 6 : 325 - 326 (حلبي) حديث حميد بن نافع ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم حبيبة أم المؤمنين ، ثم قال عقب الحديث"حميد بن نافع : أبو أفلح ، وهو حميد صفيراء" ، وهو الذي اقتصر عليه ابن سعد 5 : 224 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 229-230 . و"صفيراء" : لقب حميد . وهكذا رسم على الصواب في المسند ، والتهذيب في ترجمة"أفلح" ، والبخاري في ترجمة"حميد" . ورسم في التهذيب في ترجمة"حميد" : "صفير" ، وهو تصحيف . ووقع في التهذيب أيضًا في ترجمة"حميد" أنه يروي عن"عبد الله بن عمرو" -وهو خطأ ، صوابه - كما قلنا-"عبد الله بن عمر" . والحديث سيأتي : 5079 ، بإسناد آخر ، من حديث أم سلمة وحدها . وسيأتي بأسانيد أخر، في بعضها: "عن أم سلمة وأم حبيبة" وفي سائرها: "عن أم سلمة أو أم حبيبة" 5076- 5078 ، 5080 . وسنذكرها في مواضعها ، إن شاء الله . أما من الوجه الذي هنا -رواية شعبة عن حميد- : فرواه الطيالسي : 1596 ، عن شعبة ، بهذا الإسناد ، نحوه . وكذلك رواه أحمد في المسند 6 : 291-292 (حلبي) ، عن يحيى بن سعيد -وهو القطان- ثم رواه 6 : 311 ، عن محمد بن جعفر ، وعن حجاج -وهو ابن محمد المصيصي- ثلاثتهم عن شعبة ، به ، نحوه . ورواه البخاري 9 : 432 ، و 10 : 131 ، مطولا ومختصرا ، من طريقين عن شعبة . وكذلك رواه مسلم 1 : 434 ، من طريق محمد بن جعفر ، عن شعبة . وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقى ، ص : 353-354 ، من طريق يحيى وهو القطان ، عن شعبة . وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 7 : 439 ، من طريق الطيالسي ويحيى بن أبي بكير - كلاهما عن شعبة . ورواه مالك في الموطأ ، ص : 596 - 598 ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن حميد بن نافع ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أمها -ثالث احاديث ثلاثة حدثت زينب بها حميد بن نافع- بمعناه ومن طريق مالك هذه ، رواه الأئمة : فرواه عبد الرزاق في المصنف 4 : 66-67 (مخطوط مصور) والبخاري 9 : 427-428 ، ومسلم 1 : 433 - 434 ، وأبو داود : 2299 ، والترمذي 2 : 220 ، والنسائي 2 : 114 ، وابن حبان في صحيحه (2 : 91-92 مخطوطة التقاسيم ، و 6 : 457-458 مخطوطة الإحسان) . وهو في المنتقى للمجد بن تيمية ، برقم : 3811 .

(17) الورس : نبت أصفر ، يتخذ منه صبغ أصفر تصبغ به الثياب ، ومنه ما يكون للزينة ، كالزعفران .

(18) الحديثان : 5074 ، 5075 - هما حديث واحد ، مطول ومختصر ، بإسنادين . عبد الوهاب في الإسناد الأول : هو ابن عبد المجيد الثقفي . ويزيد -في الإسناد الثاني : هو ابن هرون . يحيى بن سعيد- في الإسنادين : هو الأنصاري . ونافع : هو مولى ابن عمر . صفية بنت أبي عبيد بن مسعود ، الثقفية : وهي تابعية ثقة ، من فضليات النساء ، وذكرها بعضهم في الصحابة ، ولا يصح ، وهي زوج عبد الله بن عمر . وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب . وشتان بين الأخوين . ووقع في ترجمتها في التهذيب 12 : 430 أنه يروي عنها"نافع مولى ابن عباس" . وهو سهو أو خطأ ناسخ . بل الذي يروي عنها هو"نافع مولى ابن عمر" . ولها ترجمة في ابن سعد 8 : 346 - 347 ، والإصابة 8 : 131 . والحديث رواه مسلم 1 : 435 ، من طريق عبد الوهاب ، عن يحيى . وهو الطريق الأول هنا . ولم يذكر لفظه كله . وكذلك رواه البيهقي 7 : 438 ، من طريق عبد الوهاب ، وذكر لفظه . ورواه أحمد في المسند 6 : 286 ، عن يزيد بن هارون ، وهو الطريق الثاني هنا .

(19) الحديث : 5076- هو الحديث الماضي : 5073 ، إلا أنه هنا"عن أم سلمة أو أم حبيبة" ، على الشك . وكذلك في الإسناد بعده : 5077 ، وسيأتي في الإسناد : 5080 ، أنه"عن أم سلمة وأم حبيبة" معا ، دون شك فيه .

أما روايته بالشك ، بحرف"أو" - فلم أجدها قط . وأخشى أن يكون تحريفا من الناسخين . نعم روى الدارمي 2 : 167 ، قصة أخرى لأم حبيبة ، في آخرها حديث"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة . . . " إلخ - رواه عن هاشم بن القاسم ، عن شعبة ، عن حميد بن نافع ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم حبيبة . ثم رواه عقبه ، بالإسناد نفسه إلى زينب"تحدث عن أمها ، أو امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه" . ولكنه حديث آخر غير هذا الحديث ، ولعل زينب شكت أيضًا في الرواية التي هنا ، كما شكت في الرواية التي عند الدارمي .

وكذلك رواه مسلم 1 : 434 ، عن ابن المثنى ، عن ابن جعفر ، عن شعبة ، - في قصة أم حبيبة فقط ، ثم قال حميد : "وحدثتنيه زينب عن أمها ، وعن زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن امرأة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" .

ثم روي عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن شعبة : "عن حميد بن نافع بالحديثين جميعا ، حديث أم سلمة في الكحل ، وحديث أم سلمة وأخرى من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم . غير أنه لم تسمها زينب - نحو حديث محمد بن جعفر" . وأيا ما كان ، فإن هذا الشك لا يؤثر في صحة الحديث . والروايات الثابتة تدل على أنها روته عن أمها وأم حبيبة ، كما سيأتي .

(20) الحديث : 5077- هو الحديث السابق أيضًا ، بإسناد آخر . ووقع في المطبوعة هنا"أو أم سلمة" على الشك ، كالرواية السابقة . ولكني أوقن -هنا- أنه خطأ من ابن بشار ، شيخ الطبري .

فالحديث رواه مسلم 1 : 434 ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد -كلاهما عن يزيد بن هارون . بهذا الإسناد . وفيه : "أنه سمع زينب بنت أبي سلمة تحدث عن أم سلمة وأم حبيبة ، تذكران : أن امرأة . . . "- إلخ . فهذا صريح في الرواية عنهما معا ، لا رواية عن إحداهما . وكذلك رواه ابن ماجه : 2084 ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، نحو رواية مسلم . ويؤيده : أن النسائي رواه 2 : 115 ، من طريق حماد ، عن يحيى الأنصاري ، عن حميد ، عن زينب : "أن امرأة سألت أم سلمة وأم حبيبة . . . فقالتا : أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . . "

(21) الحديث : 5078- هو تكرار للحديث قبله ، لم يذكر لفظه ، وهو من رواية يزيد بن هارون ، عن شعبة ، عن يحيى الأنصاري ، عن حميد .

وأنا أخشى أن يكون في الإسناد تحريف من الناسخين ، وأن يكون صوابه : "حدثنا شعبة ، ويحيى" . لأن الإسناد قبله ، هو من رواية يزيد بن هارون عن يحيى مباشرة . فقد تكون الفائدة في تكرار هذا الإسناد : أن يكون ابن بشار سمعه من يزيد مرتين : مرة عن يحيى وحده ، ومرة عن يحيى وشعبة . وإذا كان ما ثبت في المطبوعة صحيحا ، كان ابن بشار سمعه هكذا ، ويكون من المزيد في متصل الأسانيد .

(22) في المخطوطة : "أفتكحل" .

(23) الأطمار جمع طمر (بكسر فسكون) : وهو الثوب الخلق ، والكساء البالي .

(24) الحديث : 5079- أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص : قرشي مكي ثقة حافظ فقيه . مذكور في نسب قريس للمصعب ، ص : 183 .

وهذا الحديث تكرار للحديث : 5073 ، بأنه عن أم سلمة وحدها - كما قلنا هناك .

وقد رواه النسائي 2 : 115 - من طريق الليث بن سعد ، عن أيوب بن موسى . ثم من طريق سفيان ابن عيينة ، عن يحيى الأنصاري ، به ، نحوه ، مطولا ، ومختصرا .

(25) قوله : "أشر" على وزن"أفعل" ، هكذا جاء هنا . وقال أهل اللغة : إنه لغة قليلة أو رديئة . وقد جاء في كثير من أمثالهم وكلامهم"أشر" و"شرى" ، كأفضل وفضلى . ومنه قول امرأة من العرب : "أعيذك بالله من نفس حرى ، وعين شرى" أي خبيثة ، وفي المثل : "شراهن مراهن" . وفي خبر العبادي قيل له : "أي حماريك أشر؟" قال : "هذا ثم هذا" .

(26) الحديث : 5080- أحمد بن يونس : هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، مضى في : 2144 . وهذا الحديث تكرار -في المعنى- للحديث : 5073 ، وللأحاديث : 5076-5079 . وقد رواه هنا أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن يحيى الأنصاري ، وذكر فيه أنه"عن أم سلمة وأم حبيبة" معا .

ولكن رواه النسائي 2 : 115 -بنحوه- من طريق ابن أعين ، وهو الحسن بن محمد بن أعين ، عن زهير بن معاوية ، بهذا الإسناد ، من حديث"أم سلمة" ، ولم يذكر فيه أم حبيبة .

(27) الخبر : 5081- هذا أثر من فتوى عائشة وكلامها . ولكن تدل على صحة فتواها الأحاديث الصحاح . وهذا إسناده إليها صحيح . ولم أجده في شيء من المراجع غير هذا الموضع .

المعصفر : هو الثوب المصبوغ بالعصفر . والإثمد : هو الكحل ، أو حجر يتخذ منه الكحل ، وهو أسود إلى الحمرة . والصبر (بفتح الصاد وكسر الباء) : عصارة شجر ، وهو مر ، يتخذ منه الدواء .

(28) قوله : "تبيت عن بيتها" أي تبيت بعيدة عن بيتها وتنتقل إلى غيره . والعصب : برود من اليمن ، يعصب غزلها -أي يجمع ويشد- ثم يصبغ وينسج ، فيأتي موشيا ، لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ . تجلببت المرأة : لبست جلبابها ، وهو ملاءتها التي تشتمل بها .

(29) تصنعت المرأة تصنعا : تزينت وتجملت وعالجت وجهها وغيره حتى يحسن .

(30) الحديث : 5088- محمد بن إبراهيم بن صدران الأزدي السلمي : ثقة ، وثقه أبو داود وغيره . وقد ينسب إلى جده ، ولذلك ترجمه ابن أبي حاتم 3 / 2 / 190 في اسم"محمد بن صدران" . "السلمي" : هكذا ثبت هنا ، وكذلك في التقريب ، وضبطه بفتح السين ، وكذلك ثبت في نسخة بهامش التهذيب ، وفي التهذيب والخلاصة"السليمي" ، ونص صاحب الخلاصة على أنه بإثبات الياء . ولكني لا أطمئن إلى ضبطه .

وشيخه أبو عاصم : هو النبيل ، الضحاك بن مخلد .

وأبو عامر -في الإسناد الثاني : هو العقدي ، عبد الملك بن عمرو .

محمد بن طلحة بن مصرف -بفتح الصاد وتشديد الراء المكسورة- اليامي : ثقة ، أخرج له الشيخان . وبعضهم تكلم فيه بما لا يجرحه .

عبد الله بن شداد بن الهاد : نسب أبوه إلى جده ، فهو"شداد بن أسامة بن عمرو" ، و"عمرو" : هو الهاد . قال ابن سعد : "وإنما سمي الهادي ، لأنه كان توقد ناره ليلا للأضياف ، ولمن سلك الطريق" . وعبد الله بن شداد : من كبار التابعين القدماء الثقات ، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى ذكره بعضهم في الصحابة . وله ترجمتان في ابن سعد 5 : 43-44 ، و 6 : 86-87, وفي الإصابة 5 : 60-61 ، 145 . وأمه"سلمى بنت عميس" ، أخت أسماء بنت عميس ، فهو يروي هذا الحديث عن خالته .

وأسماء بنت عميس : صحابية جليلة . وهي أخت ميمونة بنت الحارث -أم المؤمنين- لأمها . تزوجت أسماء جعفر بن أبي طالب ، فقتل عنها ، ثم تزوجت أبا بكر الصديق ، ثم علي بن أبي طالب . وولدت لهم جميعا . وهي أم محمد بن أبي بكر الصديق .

والحديث رواه ابن سعد في الطبقات 8 : 206 ، في ترجمة أسماء -رواه عن عفان بن مسلم ، وإسحاق بن منصور ، كلاهما عن محمد بن طلحة . ووقع فيه "تسلمى" بالميم بدل الباء . وأنا أرجح أنه خطأ من الناسخين لا من الرواة ، وسيأتي أن هذا الخطأ وقع لابن حبان ، لكن من الرواة .

ورواه أحمد في المسند ، بمعناه ، 6 : 369 ، 438 ، عن يزيد بن هارون ، عن أبي كامل ويزيد بن هارون وعفان - ثلاثتهم عن محمد بن طلحة .

ورواه الطحاوي في معاني الآثار 2 : 44 بخمسة أسانيد إلى محمد بن طلحة .

ورواه البيهقي 7 : 438 ، من طريق مالك بن إسماعيل ، عن محمد بن طلحة ، بهذا الإسناد . ثم قال : "لم يثبت سماع عبد الله من أسماء ، وقد قيل فيه : عن أسماء . فهو مرسل . ومحمد بن طلحة ليس بالقوى"!! وهو تعليل ضئيل متهافت . تعقبه فيه ابن التركماني في الجوهر النقي .

ورواه ابن حزم في المحلى 10 : 280 ، من وجهين آخرين ، عن عبد الله بن شداد ، مرسلا ، ورده بعلة الإرسال . ولكن ثبت وصله عن غير روايته .

وذكره المجد في المنتقى : 3819 ، 3820 ، من روايتي المسند . ولم ينسبه إلى غيره .

ولم يرو في واحد من الكتب الستة ، على اليقين من ذلك . فهو من الزوائد عليها . ولكني لم أجده في مجمع الزوائد ، بعد طول البحث ، في أقرب المظان من أبوابه وأبعدها .

وذكره الحافظ في الفتح 9 : 429 ، ووصفه بأنه"قوي الإسناد" . وقال : "أخرجه أحمد ، وصححه ابن حبان" . ونسبه أيضًا للطحاوي . ثم قال : "قال شيخنا في شرح الترمذي : ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث ، لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتفاق ، وهي والدة أولاده : عبد الله ، ومحمد ، وعون ، وغيرهم . قال : بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز" . وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ، وقد أجمعوا على خلافه ، ثم ذهب يجمع بينه وبين الأحاديث التي يعارضها ، بآراء بعضها قد يقبل ، وبعضها فيه تكلف غير مستساغ . وأجود ما قال العلماء في ذلك -عندنا- ما ذهب إليه الطبري هنا في الفقرة الثالثة بعد الحديث : 5090 . وقريب منه ما قال المجد بن تيمية في المنتقى : "وهو متأول على المبالغة في الإحداد والجلوس للتعزية" .

وقال الحافظ ، في آخر كلامه ، في شأن رواية ابن حبان : "وأغرب ابن حبان ، فساق الحديث بلفظ : تسملي ، بالميم بدل الموحدة! وفسره بأنه أمرها بالتسليم لأمر الله !! ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث ، بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الأمر أشد ، فلذلك قيدها بالثلاث! هذا معنى كلامه ، فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها! وقد وقع في رواية البيهقي وغيره : فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتسلب ثلاثا . فتبين خطؤه" .

تسلبت المرأة : لبست السلاب (بكسر السين) : وهي ثياب الحداد السود ، تلبسها في المأتم .

(31) الحديث 5090- يونس بن محمد بن مسلم ، الحافظ البغدادي المؤدب : ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

فليح -بالتصغير- بن سليمان بن أبي المغيرة المدني : ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة . تكلم فيه ابن معين وغيره . والراجح توثيقه . وقال الحاكم : "اتفاق الشيخين عليه يقوي أمره" . و"فليح" لقب غلب عليه ، واسمه"عبد الملك" .

سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة : ثقة لا يختلف فيه ، كما قال ابن عبد البر . وهو تابعي روى عن أنس بن مالك .

وتكلم فيه ابن حزم في المحلى بما لا يضره ، زعم أنه"غير مشهور الحال" ، ومرة أنه"مضطرب في اسمه ، غير مشهور الحال" ، ومرة أنه"غير مشهور العدالة"! انظر المحلى 3 : 273 ، و 4 : 138 ، و 10 : 302 .

وفي المطبوعة هنا"سعيد" بدل"سعد" . وهو خطأ قديم ، وقع في الموطأ ، ص : 591 . وليس اختلاف رواية ، ولا خطأ من مالك . إنما هو من يحيى بن يحيى راوي الموطأ ، ومن رواة آخرين تبعوه . قال ابن عبد البر في التقصي ، رقم : 123 هكذا قال يحيى : سعيد بن إسحاق ، وتابعه بعضهم . وأكثر الرواة يقولون فيه : سعد بن إسحاق . وهو الأشهر ، وكذا قال شعبة وغيره" .

وعلى الصواب"سعد"- رواه الشافعي في الرسالة والأم عن مالك . وكذلك رواه عنه سويد بن سعد ، في روايته الموطأ . وكذلك رواه عنه محمد بن الحسن في الموطأ .

عمة سعد بن إسحاق : هي"زينب بنت كعب بن عجرة الأنصارية" ، وهي تابعية ثقة . بل ذكرها بعضهم في الصحابة . انظر الإصابة 8 : 97-98 ، وابن سعد 8 : 352 .

ووقع هنا في المطبوعة"عن عمته الفريعة" ، بحذف"عن" بعد كلمة"عمته" . وهو خطأ ناسخ أو طابع . فإن زينب عمة سعد هي زوجة أبي سعيد الخدري ، وأما الفريعة فإنها أخت أبي سعيد ، كما في نص الحديث .

و"الفريعة بنت مالك بن سنان" : صحابية قديمة معروفة ، شهدت بيعة الرضوان . رضي الله عنها . وهذا الحديث هنا مختصر . وقد جاء بأسانيد صحاح ، من رواية سعد بن إسحاق ، عن عمته ، عن الفريعة -مختصرا ومطولا . ويكفي أن نذكر مواضع روايته ، فيما وصل إلينا :

فرواه مالك في الموطأ ، مطولا ، ص : 591 ، عن"سعد بن إسحاق" . وذكر فيه خطأ باسم"سعيد" ، كما بينا من قبل .

ورواه الشافعي في الرسالة : 1214 (بتحقيقنا) ، وفي الأم 5 : 208-209 ، ومحمد بن الحسن في موطئه ، ص : 268 ، وسويد بن سعيد في موطئه ، ص : 123-124 (مخطوط مصور)- كلهم عن مالك ، عن سعد بن إسحاق .

ورواه الدارمي 2 : 168 ، وابن سعد 8 : 268 ، وأبو داود : 2300 ، والترمذي 2 : 224-225 ، والبيهقي 7 : 434 ، وابن حبان في صحيحه 6 : 447-448 (من مخطوطة الإحسان) ، وابن حزم في المحلى 10 : 301- كلهم من طريق مالك ، به .

ورواه الطيالسي : 1664 ، وعبد الرزاق في المصنف 4 : 60-61 (مخطوط مصور) ، وأحمد في المسند 6 : 370 ، 420-421 (حلبي) ، وابن سعد 8 : 267-268 ، والترمذي 2 : 225 ، والنسائي 2 : 113 ، وابن ماجه : 2031 ، وابن الجارود ، ص : 349-350 ، وابن حبان 6 : 449 ، والحاكم 2 : 208 ، والبيهقي 7 : 434-435 ، بأسانيد كثيرة ، مطولا ومختصرا ، من طريق سعد بن إسحاق ، عن عمته ، عن الفريعة . وصححه الترمذي ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، فيما حكاه عنه الحاكم ، والذهبي . وذكره السيوطي 1 : 289-290 نسبه إلى كثير ممن أشرنا إليهم .

(32) الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام . والمطبوعة والمخطوطة سواء في نصهما هنا .

(33) في المطبوعة : "أن لا إحداد" ، وهما سواء . "حدت المرأة تحد حدا وحدادا" و"أحدت تحد إحدادا" . لبست الحداد (بكسر الحاء) ، وهو ثياب المأتم السود . "الحداد" اسم ومصدر .

(34) في المطبوعة : "ولا تطيبا" . والصواب ما أثبته من المخطوطة .

(35) في المطبوعة : "فإن أجاز ذلك المغني" ، والصواب ما أثبت من المخطوطة .

(36) المفسر : هو المميز . والتفسير : التمييز ، انظر ما سلف 2 : 338 تعليق : 1 / م 3 : 90 تعليق : 1

(37) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 151-152 ، فهذا من كلامه بغير لفظه .

(38) في المطبوعة والمخطوطة : "يعني تعالى ذكره بقوله" ، والسياق يقتضي ما أثبت .

(39) انظر ما سلف في تفسير"المعروف" 5 : 76 والمراجع هناك في التعليق .

(40) في المطبوعة"هويته" بالجمع والنون ، وأثبت ما في المخطوطة .

(41) انظر ما سلف في معنى"خيبر" في فهارس اللغة ، ومباحث العربية .

* * *

وقد انتهى هنا التقسيم القديم للنسخة التي نقلت عنها مخطوطتنا ، وفيها ما نصه :

"وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا

على الأصل بلغت القراءة والسماع من أوله بقراءة محمد بن أحمد بن عيسى السعدي ، لأخيه علي وأحمد بن عمر الجهاري (؟ ؟) ونصر بن الحسين الطبري ، على القاضي أبي الحسن الخصيبي ، عن أبي محمد الفرغاني ، عن أبي جعفر الطبري ، وقابل به بكتاب القاضي الخصيبي ، فصحت ، وذلك في شعبان سنة ثمان وأربعمائة" .

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق