42-سورة الشورى 37
            
    وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
    والذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه، وما فَحُش وقَبُح من أنواع المعاصي، وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الإساءة، ويصفحون عن عقوبة المسيء؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه، وهذا من محاسن الأخلاق.


    تفسير ابن كثير

    ثم قال : ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في " سورة الأعراف " ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) أي : سجيتهم [ وخلقهم وطبعهم ] تقتضي الصفح والعفو عن الناس ، ليس سجيتهم الانتقام من الناس .

    وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انتقم لنفسه قط ، إلا أن تنتهك حرمات الله وفي حديث آخر : " كان يقول لأحدنا عند المعتبة : ما له ؟ تربت جبينه " .

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن زائدة ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا ، وكانوا إذا قدروا عفوا .

    تفسير السعدي

    { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ } والفرق بين الكبائر والفواحش -مع أن جميعهما كبائر- أن الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع إليها، كالزنا ونحوه، والكبائر ما ليس كذلك، هذا عند الاقتران، وأما مع إفراد كل منهما عن الآخر فإن الآخر يدخل فيه.

    { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح.

    فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير، كما قال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

    تفسير القرطبي

    قوله تعالى : والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون .

    فيه مسألتان :

    الأولى : قوله تعالى : والذين يجتنبون ( الذين ) في موضع جر معطوف على قوله : خير وأبقى للذين آمنوا أي : وهو للذين يجتنبون كبائر الإثم قد مضى القول في الكبائر في ( النساء ) وقرأ حمزة والكسائي ( كبير الإثم ) والواحد قد يراد به الجمع عند الإضافة ، كقوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، وكما جاء في الحديث : ( منعت العراق درهمها وقفيزها ) . الباقون بالجمع هنا وفي ( النجم ) . : ( والفواحش ) قال السدي : يعني الزنى . وقاله ابن عباس . وقال : كبير الإثم الشرك . وقال قوم : كبائر الإثم ما تقع على الصغائر مغفورة عند اجتنابها . والفواحش داخلة في الكبائر ، ولكنها تكون أفحش وأشنع كالقتل بالنسبة إلى الجرح ، والزنى بالنسبة إلى المراودة . وقيل : الفواحش والكبائر بمعنى واحد ، فكرر لتعدد اللفظ ، أي : يجتنبون المعاصي لأنها كبائر وفواحش . وقال مقاتل : الفواحش موجبات الحدود .

    الثانية : قوله تعالى : وإذا ما غضبوا هم يغفرون أي يتجاوزون ويحلمون عمن ظلمهم . قيل : نزلت في عمر حين شتم بمكة . وقيل : في أبي بكر حين لامه الناس على إنفاق ماله كله وحين شتم فحلم . وعن علي - رضي الله عنه - قال : اجتمع لأبي بكر مال مرة ، فتصدق به كله في سبيل الخير ، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون فنزلت : فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إلى قوله وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقال ابن عباس : شتم رجل من المشركين أبا بكر فلم يرد عليه شيئا ، فنزلت الآية . وهذه من محاسن الأخلاق ، يشفقون على ظالمهم ويصفحون لمن جهل عليهم ، يطلبون بذلك ثواب الله تعالى وعفوه ، لقوله تعالى في آل عمران : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس . وهو أن يتناولك الرجل فتكظم غيظك عنه . وأنشد بعضهم :

    إني عفوت لظالمي ظلمي ووهبت ذاك له على علمي مازال يظلمني وأرحمه

    حتى بكيت له من الظلم

    تفسير الطبري

    القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

    يقول تعالى ذكره: وما عند الله للذين آمنوا(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ) , وكبائر فواحش الإثم, قد بينَّا اختلاف أهل التأويل فيها وبينَّا الصواب من القول عندنا فيها فى سورة النساء, فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا.(وَالْفَوَاحِشَ) قيل: إنها الزنى.

    * ذكر من قال ذلك:

    محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ(وَالْفَوَاحِشَ) قال: الفواحش: الزنى.

    واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (كَبَائِرَ الإِثْمِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة على الجماع كذلك في النجم, وقرأته عامة قرّاء الكوفة " كبير الإثم " على التوحيد فيهما جميعا; وكأن من قرأ ذلك كذلك, عنى بكبير الإثم: الشرك, كما كان الفرّاء يقول: كأني أستحب لمن قرأ كبائر الإثم أن يخفض الفواحش, لتكون الكبائر مضافة إلى مجموع إذ كانت جمعا, وقال: ما سمعت أحدا من القرّاء خفض الفواحش.

    والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء على تقارب معنييهما, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

    وقوله: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جرما, هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه, ويصفحون عنه عقوبة ذنبه.

    زر الذهاب إلى الأعلى
    إغلاق
    إغلاق