تفسير ابن كثير

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر ، الذي لا يدري معه المصلي ما يقول ، وعن قربان محلها - وهي المساجد - للجنب ، إلا أن يكون مجتازا من باب إلى باب من غير مكث وقد كان هذا قبل تحريم الخمر ، كما دل الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة ، عند قوله [ تعالى ] ( يسألونك عن الخمر والميسر [ قل فيهما إثم كبير ] ) الآية [ البقرة : 219 ] ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها على عمر ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فلما نزلت هذه الآية ، تلاها عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات فلما نزل قوله [ تعالى ] ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) [ المائدة : 90 ، 91 ] فقال عمر : انتهينا ، انتهينا .

وفي رواية إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو - وهو ابن شرحبيل - عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر ، فذكر الحديث وفيه : فنزلت الآية التي في [ سورة ] النساء : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت الصلاة ينادي : ألا يقربن الصلاة سكران . لفظ أبي داود .

وذكروا في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم .

حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، أخبرني سماك بن حرب قال : سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال : نزلت في أربع آيات : صنع رجل من الأنصار طعاما ، فدعا أناسا من المهاجرين وأناسا من الأنصار ، فأكلنا وشربنا حتى سكرنا ، ثم افتخرنا فرفع رجل لحي بعير ففزر بها أنف سعد ، فكان سعد مفزور الأنف ، وذلك قبل أن تحرم الخمر ، فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) الآية .

والحديث بطوله عند مسلم من رواية شعبة . ورواه أهل السنن إلا ابن ماجه ، من طرق عن سماك به .

سبب آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي ، حدثنا أبو جعفر عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما ، فدعانا وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منا ، وحضرت الصلاة فقدموا فلانا - قال : فقرأ : قل يا أيها الكافرون ، ما أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون . [ قال ] فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )

هكذا رواه ابن أبي حاتم ، وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن عبد الرحمن الدشتكي ، به ، وقال : حسن صحيح .

وقد رواه ابن جرير ، عن محمد بن بشار ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي ; أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر ، فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ : ( قل [ يا ] أيها الكافرون ) فخلط فيها ، فنزلت : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) .

وهكذا رواه أبو داود والنسائي ، من حديث الثوري ، به .

ورواه ابن جرير أيضا ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء ، عن أبي عبد الله السلمي قال : كان علي في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عبد الرحمن بن عوف ، فطعموا فآتاهم بخمر فشربوا منها ، وذلك قبل أن يحرم الخمر ، فحضرت الصلاة فقدموا عليا فقرأ بهم : ( قل يا أيها الكافرون ) فلم يقرأها كما ينبغي ، فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )

ثم قال : حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حبيب - وهو أبو عبد الرحمن السلمي ; أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا ، فدعا نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم المغرب ، فقرأ : قل يا أيها الكافرون . أعبد ما تعبدون . وأنتم عابدون ما أعبد . وأنا عابد ما عبدتم . لكم دينكم ولي دين . فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) .

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [ حتى تعلموا ما تقولون ] ) وذلك أن رجالا كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى ، قبل أن تحرم الخمر ، فقال الله : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) الآية . رواه ابن جرير . وكذا قال أبو رزين ومجاهد . وقال عبد الرزاق ، عن معمر عن قتادة : كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر .

وقال الضحاك في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) لم يعن بها سكر الخمر ، وإنما عنى بها سكر النوم . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

ثم قال ابن جرير : والصواب أن المراد سكر الشراب . قال : ولم يتوجه النهي إلى السكران الذي لا يفهم الخطاب ; لأن ذاك في حكم المجنون ، وإنما خوطب بالنهي الثمل الذي يفهم التكليف .

وهذا حاصل ما قاله . وقد ذكره غير واحد من الأصوليين ، وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام ، دون السكران الذي لا يدري ما يقال له ; فإن الفهم شرط التكليف . وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السكر بالكلية ; لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار ، فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائما ، والله أعلم . وعلى هذا فيكون كقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ آل عمران : 102 ] وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك .

وقوله : ( حتى تعلموا ما تقولون ) هذا أحسن ما يقال في حد السكران : إنه الذي لا يدري ما يقول فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره وخشوعه فيها ، وقد قال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نعس أحدكم وهو يصلي ، فلينصرف فليتم حتى يعلم ما يقول . انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، ورواه هو والنسائي من حديث أيوب ، به وفي بعض ألفاظ الحديث فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه .

وقوله : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي ، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) قال : لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل ، قال : تمر به مرا ولا تجلس . ثم قال : وروي عن عبد الله بن مسعود ، وأنس ، وأبي عبيدة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي الضحى ، وعطاء ، ومجاهد ، ومسروق ، وإبراهيم النخعي ، وزيد بن أسلم ، وأبي مالك ، وعمرو بن دينار ، والحكم بن عتيبة وعكرمة ، والحسن البصري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن شهاب ، وقتادة ، نحو ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن قول الله عز وجل ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ، فيردون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد ، فأنزل الله : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل )

ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب ، رحمه الله ، ما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر " .

وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم ، علما منه أن أبا بكر ، رضي الله عنه ، سيلي الأمر بعده ، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين ، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه ، رضي الله عنه . ومن روى : " إلا باب علي " كما وقع في بعض السنن ، فهو خطأ ، والصحيح . ما ثبت في الصحيح . ومن هذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب اللبث في المسجد ، ويجوز له المرور ، وكذا الحائض والنفساء أيضا في معناه ; إلا أن بعضهم قال : يمنع مرورهما لاحتمال التلويث . ومنهم من قال : إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا .

وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناوليني الخمرة من المسجد " فقلت : إني حائض . فقال : " إن حيضتك ليست في يدك " . وله عن أبي هريرة مثله ففيه دلالة على جواز مرور الحائض في المسجد ، والنفساء في معناها والله أعلم .

وروى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة العامري ، عن جسرة بنت دجاجة ، عن عائشة ] رضي الله عنها [ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " قال أبو مسلم الخطابي : ضعف هذا الحديث جماعة وقالوا : أفلت مجهول . لكن رواه ابن ماجه من حديث أبي الخطاب الهجري ، عن محدوج الذهلي ، عن جسرة ، عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به . قال أبو زرعة الرازي : يقولون : جسرة عن أم سلمة . والصحيح جسرة عن عائشة .

فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي ، من حديث سالم بن أبي حفصة ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك . إنه حديث ضعيف لا يثبت ; فإن سالما هذا متروك ، وشيخه عطية ضعيف والله أعلم .

قول آخر في معنى الآية : قال ابن أبي حاتم : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرني ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن زر بن حبيش ، عن علي : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) قال : لا يقرب الصلاة ، إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة ، فلا يجد الماء فيصلي حتى يجد الماء .

ثم رواه من وجه آخر ، عن المنهال بن عمرو ، عن زر ، عن علي بن أبي طالب ، فذكره . قال : وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات وسعيد بن جبير ، والضحاك ، نحو ذلك .

وقد روى ابن جرير من حديث وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله أو عن زر بن حبيش - عن علي فذكره . ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز ، عن ابن عباس ، فذكره . ورواه عن سعيد بن جبير ، وعن مجاهد ، والحسن بن مسلم ، والحكم بن عتيبة وزيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن ، مثل ذلك ، وروي من طريق ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : كنا نسمع أنه في السفر .

ويستشهد لهذا القول بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث أبي قلابة ، عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم تجد الماء عشر حجج ، فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك فإن ذلك خير " .

ثم قال ابن جرير - بعد حكايته القولين - : والأولى قول من قال : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) إلا مجتازي طريق فيه . وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله : أو ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) [ المائدة : 6 ] إلى آخره . فكان معلوما بذلك أن قوله : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) لو كان معنيا به المسافر ، لم يكن لإعادة ذكره في قوله : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر ) معنى مفهوم ، وقد مضى حكم ذكره قبل ذلك ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا ، إلا عابري سبيل . قال : والعابر السبيل : المجتاز مرا وقطعا . يقال منه : " عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا " ومنه قيل : " عبر فلان النهر " إذا قطعه وجاوزه . ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار : هي عبر أسفار وعبر أسفار ; لقوتها على قطع الأسفار .

وهذا الذي نصره هو قول الجمهور ، وهو الظاهر من الآية ، وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها ، وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة ، وهي الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضا ، والله أعلم .

وقوله : ( حتى تغتسلوا ) دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة : أبو حنيفة ومالك والشافعي : أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم ، إن عدم الماء ، أو لم يقدر على استعماله بطريقة . وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد ، لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح : أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك ; قال سعيد بن منصور :

حدثنا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار قال : رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة ، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، فالله أعلم .

وقوله : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) أما المرض المبيح للتيمم ، فهو الذي يخاف معه من استعمال الماء فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء . ومن العلماء من جوز التيمم بمجرد المرض لعموم الآية . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، حدثنا قيس عن خصيف عن مجاهد في قوله : ( وإن كنتم مرضى ) قال : نزلت في رجل من الأنصار ، كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ، ولم يكن له خادم فيناوله ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله هذه الآية .

هذا مرسل . والسفر معروف ، ولا فرق فيه بين الطويل والقصير .

وقوله : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) الغائط : هو المكان المطمئن من الأرض ، كنى بذلك عن التغوط ، وهو الحدث الأصغر .

وأما قوله : ( أو لامستم النساء ) فقرئ : " لمستم " و " لامستم " واختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك ، على قولين :

أحدهما : " أن ذلك كناية عن الجماع ; لقوله ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) [ البقرة : 237 ] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) [ الأحزاب : 49 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( أو لامستم النساء ) قال : الجماع . وروي عن علي ، وأبي بن كعب ، ومجاهد ، وطاوس ، والحسن ، وعبيد بن عمير ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان - نحو ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني حميد بن مسعدة ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع . وقال ناس من العرب : اللمس الجماع : قال : فأتيت ابن عباس فقلت له : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس ، فقالت الموالي . ليس بالجماع . وقالت العرب : الجماع . قال : من أي الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي . قال : غلب فريق الموالي . إن اللمس والمس والمباشرة : الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء .

ثم رواه عن ابن بشار ، عن غندر ، عن شعبة - به نحوه . ثم رواه من غير وجه عن سعيد بن جبير ، نحوه .

ومثله قال : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر ، أخبرنا سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اللمس والمس والمباشرة : الجماع ، ولكن الله يكني بما يشاء .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، أنبأنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : الملامسة : الجماع ، ولكن الله كريم يكني بما يشاء .

وقد صح من غير وجه ، عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك . ثم رواه ابن جرير عن بعض من حكاه ابن أبي حاتم عنهم .

ثم قال ابن جرير : وقال آخرون : عنى الله بذلك كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان ، وأوجب الوضوء على كل من مس بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضيا إليه .

ثم قال : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن مخارق ، عن طارق عن عبد الله بن مسعود قال : اللمس ما دون الجماع .

وقد رواه من طرق متعددة عن ابن مسعود بمثله . وروي من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : القبلة من المس ، وفيها الوضوء .

وقال : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبيد الله بن عمر ، عن نافع : أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة ، ويرى فيها الوضوء ، ويقول : هي من اللماس .

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا من طريق شعبة ، عن مخارق ، عن طارق ، عن عبد الله قال : اللمس ما دون الجماع .

ثم قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عمر ، وعبيدة ، وأبي عثمان النهدي وأبي عبيدة - يعني ابن عبد الله بن مسعود - وعامر الشعبي ، وثابت بن الحجاج ، وإبراهيم النخعي ، وزيد بن أسلم نحو ذلك .

قلت : وروى مالك ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه أنه كان يقول : قبلة الرجل امرأته وجسه بيده من الملامسة ، فمن قبل امرأته أو جسها بيده ، فعليه الوضوء .

وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني [ في سننه ] عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو ذلك . ولكن روينا عنه من وجه آخر : أنه كان يقبل امرأته ، ثم يصلي ولا يتوضأ . فالرواية عنه مختلفة ، فيحمل ما قاله في الوضوء إن صح عنه على الاستحباب ، والله أعلم .

والقول بوجوب الوضوء من المس هو قول الشافعي وأصحابه ومالك والمشهور عن أحمد بن حنبل ، رحمهم الله ، قال ناصر هذه المقالة : قد قرئ في هذه الآية ) لامستم ) ) ولمستم ) واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد قال ] الله [ تعالى : ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ) [ الأنعام : 7 ] ، أي جسوه وقال [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم لماعز - حين أقر بالزنا يعرض له بالرجوع عن الإقرار - : " لعلك قبلت أو لمست " وفي الحديث الصحيح : " واليد زناها اللمس " وقالت عائشة ، رضي الله عنها : قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا ، فيقبل ويلمس . ومنه ما ثبت في الصحيحين : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملامسة وهو يرجع إلى الجس باليد على كلا التفسيرين قالوا : ويطلق في اللغة على الجس باليد ، كما يطلق على الجماع ، قال الشاعر :

وألمست كفي كفه أطلب الغنى

واستأنسوا أيضا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن مهدي وأبو سعيد قالا حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير - وقال أبو سعيد : حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها ، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ قال : فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) [ هود : 114 ] قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " توضأ ثم صل " . قال معاذ : فقلت : يا رسول الله ، أله خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ قال : " بل للمؤمنين عامة " .

ورواه الترمذي من حديث زائدة به ، وقال : ليس بمتصل . وأخرجه النسائي من حديث شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا .

قالوا : فأمره بالوضوء ; لأنه لمس المرأة ولم يجامعها . وأجيب بأنه منقطع بين أبي ليلى ومعاذ ، فإنه لم يلقه ، ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة للتوبة ، كما تقدم في حديث الصديق [ رضي الله عنه ] ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له " الحديث ، وهو مذكور في سورة آل عمران عند قوله : ( ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم [ ومن يغفر الذنوب إلا الله ] ) الآية [ آل عمران : 135 ] .

ثم قال ابن جرير : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى الله بقوله : ( أو لامستم النساء ) الجماع دون غيره من معاني اللمس ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ، ثم قال : حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل ، ثم يصلي ولا يتوضأ .

ثم قال : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن عروة ، عن عائشة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ، قلت : من هي إلا أنت ؟ فضحكت .

وهكذا رواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجه عن جماعة من مشايخهم ، عن وكيع ، به .

ثم قال أبو داود : روي عن الثوري أنه قال : ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، وقال يحيى القطان لرجل : احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء .

وقال الترمذي : سمعت البخاري يضعف هذا الحديث وقال : حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة .

وقد وقع في رواية ابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي ، عن وكيع عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة .

وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة وهذا نص في كونه عروة بن الزبير ، ويشهد له قوله : من هي إلا أنت ، فضحكت .

لكن روى أبو داود ، عن إبراهيم بن مخلد الطالقاني ، عن عبد الرحمن بن مغراء ، عن الأعمش قال : حدثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة فذكره ، والله أعلم .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا أبو زيد عمر بن شبة ، عن شهاب بن عباد ، حدثنا مندل بن علي ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة - وعن أبي روق ، عن إبراهيم التيمي ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء ، ثم لا يعيد الوضوء .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن أبي روق الهمداني ، عن إبراهيم التيمي ، عن عائشة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ثم صلى ولم يتوضأ .

[ و ] رواه أبو داود والنسائي من حديث يحيى القطان - زاد أبو داود : وابن مهدي - كلاهما عن سفيان الثوري به . ثم قال أبو داود ، والنسائي : لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يزيد بن سنان ، عن عبد الرحمن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، ثم لا يفطر ، ولا يحدث وضوءا .

وقال أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ .

وقد رواه الإمام أحمد ، عن محمد بن فضيل ، عن حجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به .

وقوله : ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) استنبط كثير من الفقهاء من هذه الآية : أنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إلا بعد تطلبه ، فمتى طلبه فلم يجده جاز له حينئذ التيمم . وقد ذكروا كيفية الطلب في كتب الفروع ، كما هو مقرر في موضعه ، كما هو في الصحيحين ، من حديث عمران بن حصين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم ، فقال : " يا فلان ، ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ ألست برجل مسلم ؟ " قال : بلى يا رسول الله ، ولكن أصابتني جنابة ولا ماء . قال : " عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك " .

ولهذا قال تعالى : ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) فالتيمم في اللغة هو : القصد . تقول العرب : تيممك الله بحفظه ، أي : قصدك . ومنه قول امرئ القيس

ولما رأت أن المنية وردها وأن الحصى من تحت أقدامها دام

تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الفيء عرمضها طام

والصعيد قيل : هو كل ما صعد على وجه الأرض ، فيدخل فيه التراب ، والرمل ، والشجر ، والحجر ، والنبات ، وهو قول مالك . وقيل : ما كان من جنس التراب فيختص التراب والرمل والزرنيخ ، والنورة ، وهذا مذهب أبي حنيفة . وقيل : هو التراب فقط ، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما ، واحتجوا بقوله تعالى : ( فتصبح صعيدا زلقا ) [ الكهف : 40 ] أي : ترابا أملس طيبا ، وبما ثبت في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " وفي لفظ : " وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " . قالوا : فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان ، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه .

والطيب هاهنا قيل : الحلال . وقيل : الذي ليس بنجس . كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث أبي عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر حجج ، فإذا وجده ، فليمسه بشرته ، فإن ذلك خير " .

وقال الترمذي : حسن صحيح : وصححه ابن حبان أيضا ورواه الحافظ أبو بكر البزار في عن أبي هريرة وصححه الحافظ أبو الحسن القطان . وقال ابن عباس : أطيب الصعيد تراب الحرث . رواه ابن أبي حاتم ، ورفعه ابن مردويه في تفسيره .

وقوله : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) التيمم بدل عن الوضوء في التطهر به ، لا أنه بدل منه في جميع أعضائه ، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع ، ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال .

أحدها - وهو مذهب الشافعي في الجديد - : أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين ; لأن لفظ اليدين يصدق إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين ، وعلى ما يبلغ المرفقين ، كما في آية الوضوء ، ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين ، كما في آية السرقة : ( فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] قالوا : وحمل ما أطلق هاهنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع الطهورية . وذكر بعضهم ما رواه الدارقطني ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين " . ولكن لا يصح ; لأن في أسانيده ضعفاء لا يثبت الحديث بهم وروى أبو داود عن ابن عمر - في حديث - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها ذراعيه .

ولكن في إسناده محمد بن ثابت العبدي ، وقد ضعفه بعض الحفاظ ، ورواه غيره من الثقات فوقفوه على فعل ابن عمر ، قال البخاري وأبو زرعة وابن عدي : هو الصواب . وقال البيهقي : رفع هذا الحديث منكر .

واحتج الشافعي بما رواه عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية ، عن الأعرج ، عن ابن الصمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه .

وقال ابن جرير : حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا خارجة بن مصعب ، عن عبد الله بن عطاء ، عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي جهيم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول ، فسلمت عليه ، فلم يرد علي حتى فرغ ، ثم قام إلى الحائط فضرب بيديه عليه ، فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين ، ثم رد علي السلام .

والقول الثاني : إنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين ، وهو القول القديم للشافعي .

والثالث : أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة ; قال الإمام أحمد :

حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن الحكم ، عن ذر ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ; أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال عمر : لا تصل . فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال : " إنما كان يكفيك " . وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض ، ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه .

وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا قتادة ، عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن عمار ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم : " ضربة للوجه والكفين " .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا سليمان الأعمش ، حدثنا شقيق قال : كنت قاعدا مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى لعبد الله : لو أن رجلا لم يجد الماء لم يصل ؟ فقال عبد الله : لا . فقال أبو موسى : أما تذكر إذ قال عمار : ألا تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياك في إبل ، فأصابتني جنابة ، فتمرغت في التراب ؟ فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته ، فضحك وقال : " إنما كان يكفيك أن تقول هكذا " ، وضرب بكفيه إلى الأرض ، ثم مسح كفيه جميعا ، ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة ؟ فقال عبد الله : لا جرم ، ما رأيت عمر قنع بذاك قال : فقال له أبو موسى : فكيف بهذه الآية في سورة النساء : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) ؟ قال : فما درى عبد الله ما يقول ، وقال : لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم .

وقال تعالى في آية المائدة : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) [ المائدة : 6 ] ، استدل بذلك الشافعي ، رحمه الله تعالى ، على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء ، كما رواه الشافعي بإسناده المتقدم عن ابن الصمة : أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول ، فسلم عليه فلم يرد عليه ، حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ، فضرب بيده عليه ثم مسح بها وجهه وذراعيه .

وقوله : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) أي : في الدين الذي شرعه لكم ( ولكن يريد ليطهركم ) فلهذا أباح لكم إذا لم تجدوا الماء أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد ( وليتم نعمتة عليكم لعلكم تشكرون )

ولهذا كانت هذه الأمة مختصة بشرعية التيمم دون سائر الأمم ، كما ثبت في الصحيحين ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل - وفي لفظ : فعنده طهوره ومسجده - وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة " .

وتقدم في حديث حذيفة عند مسلم : " فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض مسجدا ، وتربتها طهورا إذا لم نجد الماء " .

وقال تعالى في هذه الآية الكريمة : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ) أي : ومن عفوه عنكم وغفره لكم أن شرع التيمم ، وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء توسعة عليكم ورخصة لكم ، وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة أن تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحو المكلف ويعقل ما يقول ، أو جنابة حتى يغتسل ، أو حدث حتى يتوضأ ، إلا أن يكون مريضا أو عادما للماء ، فإن الله ، عز وجل ، قد أرخص في التيمم والحالة هذه ، رحمة بعباده ورأفة بهم ، وتوسعة عليهم ، ولله الحمد والمنة .

ذكر سبب نزول مشروعية التيمم :

وإنما ذكرنا ذلك هاهنا ; لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة ، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحتم تحريم الخمر ، والخمر إنما حرم بعد أحد ، يقال : في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير بعد أحد بيسير ، وأما المائدة فإنها من أواخر ما نزل ، ولا سيما صدرها ، فناسب أن يذكر السبب هاهنا ، وبالله الثقة .

قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها فوجدوها ، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء ، فصلوها بغير وضوء ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم ، فقال أسيد بن الحضير لعائشة : جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا .

طريق أخرى : قال البخاري : حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا في البيداء - أو بذات الجيش - انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ! فجاء أبو بكر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ! قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته .

وقد رواه البخاري أيضا عن قتيبة وإسماعيل . ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى ، عن مالك .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن صالح قال : قال ابن شهاب : حدثني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن عمار بن ياسر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جزع ظفار ، فحبس الناس ابتغاء عقدها ، وذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء ، فأنزل الله ، عز وجل ، على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب ، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض ، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط .

وقد رواه ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا صيفي ، عن ابن أبي ذئب ، ] عن الزهري [ عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي اليقظان قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهلك عقد لعائشة ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر فتغيظ أبو بكر على عائشة ] رضي الله عنها [ فنزلت عليه الرخصة : المسح بالصعيد الطيب . فدخل أبو بكر فقال لها : إنك لمباركة ! نزلت فيك رخصة ! فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا ، وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط .

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا الليث حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا العلاء بن أبي سوية ، حدثني الهيثم عن زريق المالكي - من بني مالك بن كعب بن سعد ، وعاش مائة وسبع عشرة سنة - عن أبيه ، عن الأسلع بن شريك قال : كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة ، فكرهت أن أرحل ناقته وأنا جنب ، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض ، فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ، ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء ، فاغتسلت . ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال : " يا أسلع ، مالي أرى رحلتك تغيرت ؟ " قلت : يا رسول الله ، لم أرحلها ، رحلها رجل من الأنصار ، قال : " ولم ؟ " قلت : إني أصابتني جنابة ، فخشيت القر على نفسي ، فأمرته أن يرحلها ، ورضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به ، فأنزل الله تعالى : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) [ ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ] إن الله كان عفوا غفورا ) وقد روي من وجه آخر عنه .

تفسير السعدي

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، حتى يعلموا ما يقولون، وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة، كالمسجد، فإنه لا يمكَّن السكران من دخوله. وشامل لنفس الصلاة، فإنه لا يجوز للسكران صلاة ولا عبادة، لاختلاط عقله وعدم علمه بما يقول، ولهذا حدد تعالى ذلك وغياه إلى وجود العلم بما يقول السكران. وهذه الآية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقا، فإن الخمر -في أول الأمر- كان غير محرم، ثم إن الله تعالى عرض لعباده بتحريمه بقوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } ثم إنه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة كما في هذه الآية، ثم إنه تعالى حرمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } الآية. ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة لتضمنه هذه المفسدة العظيمة، بعد حصول مقصود الصلاة الذي هو روحها ولبها وهو الخشوع وحضور القلب، فإن الخمر يسكر القلب، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصلاة في حال النعاس المفرط، الذي لا يشعر صاحبه بما يقول ويفعل، بل لعل فيه إشارة إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره، كمدافعة الأخبثين والتوق لطعام ونحوه كما ورد في ذلك الحديث الصحيح. ثم قال: { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } أي: لا تقربوا الصلاة حالة كون أحدكم جنبا، إلا في هذه الحال وهو عابر السبيل أي: تمرون في المسجد ولا تمكثون فيه، { حَتَّى تَغْتَسِلُوا } أي: فإذا اغتسلتم فهو غاية المنع من قربان الصلاة للجنب، فيحل للجنب المرور في المسجد فقط. { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } فأباح التيمم للمريض مطلقًا مع وجود الماء وعدمه، والعلة المرض الذي يشق معه استعمال الماء، وكذلك السفر فإنه مظنة فقد الماء، فإذا فقده المسافر أو وجد ما يتعلق بحاجته من شرب ونحوه، جاز له التيمم. وكذلك إذا أحدث الإنسان ببول أو غائط أو ملامسة النساء، فإنه يباح له التيمم إذا لم يجد الماء، حضرًا وسفرًا كما يدل على ذلك عموم الآية. والحاصل: أن الله تعالى أباح التيمم في حالتين: حال عدم الماء، وهذا مطلقا في الحضر والسفر، وحال المشقة باستعماله بمرض ونحوه. واختلف المفسرون في معنى قوله: { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } هل المراد بذلك: الجماع فتكون الآية نصا في جواز التيمم للجنب، كما تكاثرت بذلك الأحاديث الصحيحة؟ أو المراد بذلك مجرد اللمس باليد، ويقيد ذلك بما إذا كان مظنة خروج المذي، وهو المس الذي يكون لشهوة فتكون الآية دالة على نقض الوضوء بذلك؟ واستدل الفقهاء بقوله: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت، قالوا: لأنه لا يقال: "لم يجد" لمن لم يطلب، بل لا يكون ذلك إلا بعد الطلب، واستدل بذلك أيضا على أن الماء المتغير بشيء من الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } وهذا ماء. ونوزع في ذلك أنه ماء غير مطلق وفي ذلك نظر. وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم الذي امتن به الله على هذه الأمة، وهو مشروعية التيمم، وقد أجمع على ذلك العلماء ولله الحمد، وأن التيمم يكون بالصعيد الطيب، وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض سواء كان له غبار أم لا، ويحتمل أن يختص ذلك بذي الغبار لأن الله قال: { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } وما لا غبار له لا يمسح به. وقوله: { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } هذا محل المسح في التيمم: الوجه جميعه واليدان إلى الكوعين، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ويستحب أن يكون ذلك بضربة واحدة، كما دل على ذلك حديث عمار، وفيه أن تيمم الجنب كتيمم غيره، بالوجه واليدين. فائدة اعلم أن قواعد الطب تدور على ثلاث قواعد: حفظ الصحة عن المؤذيات، والاستفراغ منها، والحمية عنها. وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز. أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي، فقد أمر بالأكل والشرب وعدم الإسراف في ذلك، وأباح للمسافر والمريض الفطر حفظا لصتحهما، باستعمال ما يصلح البدن على وجه العدل، وحماية للمريض عما يضره. وأما استفراغ المؤذي فقد أباح تعالى للمحْرِم المتأذي برأسه أن يحلقه لإزالة الأبخرة المحتقنة فيه، ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها من البول والغائط والقيء والمني والدم، وغير ذلك، نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى. وفي الآية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين، وأنه يجوز التيمم ولو لم يضق الوقت، وأنه لا يخاطب بطلب الماء إلا بعد وجود سبب الوجوب والله أعلم. ثم ختم الآية بقوله: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } أي: كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين، بتيسير ما أمرهم به، وتسهيله غاية التسهيل، بحيث لا يشق على العبد امتثاله، فيحرج بذلك. ومن عفوه ومغفرته أن رحم هذه الأمة بشرع طهارة التراب بدل الماء، عند تعذر استعماله. ومن عفوه ومغفرته أن فتح للمذنبين باب التوبة والإنابة ودعاهم إليه ووعدهم بمغفرة ذنوبهم. ومن عفوه ومغفرته أن المؤمن لو أتاه بقراب الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا، لأتاه بقرابها مغفرة.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا

فيه أربعة وأربعون مسألة :

الأولى : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى خص الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب المؤمنين ؛ لأنهم كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذوا من الخمر وأتلفت عليهم أذهانهم فخصوا بهذا الخطاب ؛ إذ كان الكفار لا يفعلونها صحاة ولا سكارى . روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ؛ فنزلت الآية التي في البقرة يسألونك عن الخمر والميسر قال : فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ؛ فنزلت الآية التي في النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي : ألا لا يقربن الصلاة سكران . فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ؛ فنزلت هذه الآية : فهل أنتم منتهون قال عمر : انتهينا . وقال سعيد بن جبير : كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا ؛ فكانوا يشربونها أول الإسلام حتى نزلت : يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس . قالوا : نشربها للمنفعة لا للإثم ؛ فشربها رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ : قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ؛ فنزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى . فقالوا : في غير عين الصلاة . فقال عمر : اللهم أنزل علينا في الخمر بيانا شافيا ؛ فنزلت : إنما يريد الشيطان الآية . فقال عمر : انتهينا ، انتهينا . ثم طاف منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن الخمر قد حرمت ؛ على ما يأتي بيانه في " المائدة " إن شاء الله تعالى : وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منا ، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون . قال : فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . ووجه الاتصال والنظم بما قبله أنه قال سبحانه وتعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا . ثم ذكر بعد الإيمان الصلاة التي هي رأس العبادات ؛ ولذلك يقتل تاركها ولا يسقط فرضها ، وانجر الكلام إلى ذكر شروطها التي لا تصح إلا بها .

الثانية : والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر ؛ إلا الضحاك فإنه قال : المراد سكر النوم ؛ لقوله عليه السلام : إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإنه لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه . وقال عبيدة السلماني : وأنتم سكارى يعني إذا كنت حاقنا ؛ لقوله عليه السلام : لا يصلين أحدكم وهو حاقن في رواية وهو ضام بين فخذيه .

قلت : وقول الضحاك وعبيدة صحيح المعنى ؛ فإن المطلوب من المصلي الإقبال على الله تعالى بقلبه وترك الالتفات إلى غيره ، والخلو عن كل ما يشوش عليه من نوم وحقنة وجوع ، وكل ما يشغل البال ويغير الحال . قال صلى الله عليه وسلم : إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء . فراعى صلى الله عليه وسلم زوال كل مشوش يتعلق به الخاطر ، حتى يقبل على عبادة ربه بفراغ قلبه وخالص لبه ، فيخشع في صلاته . ويدخل في هذه الآية : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون على ما يأتي بيانه . وقال ابن عباس : إن قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى منسوخ بآية المائدة : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية . فأمروا على هذا القول بألا يصلوا سكارى ؛ ثم أمروا بأن يصلوا على كل حال ؛ وهذا قبل التحريم . وقال مجاهد : نسخت بتحريم الخمر . وكذلك قال عكرمة وقتادة ، وهو الصحيح في الباب لحديث علي المذكور . وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران ؛ ذكره النحاس . وعلى قول الضحاك وعبيدة الآية محكمة لا نسخ فيها .

الثالثة : قوله تعالى : لا تقربوا إذا قيل : لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تلبس بالفعل ، وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن منه . والخطاب لجماعة الأمة الصاحين . وأما السكران إذا عدم الميز لسكره فليس بمخاطب في ذلك الوقت لذهاب عقله ؛ وإنما هو مخاطب بامتثال ما يجب عليه ، وبتكفير ما ضيع في وقت سكره من الأحكام التي تقرر تكليفه إياها قبل السكر .

الرابعة : قوله تعالى : الصلاة اختلف العلماء في المراد بالصلاة هنا ؛ فقالت طائفة : هي العبادة المعروفة نفسها ؛ وهو قول أبي حنيفة ؛ ولذلك قال حتى تعلموا ما تقولون . وقالت طائفة : المراد مواضع الصلاة ؛ وهو قول الشافعي ، فحذف المضاف . وقد قال تعالى لهدمت صوامع وبيع وصلوات الحج : فسمى مواضع الصلاة صلاة . ويدل على هذا التأويل قوله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل وهذا يقتضي جواز العبور للجنب في المسجد لا الصلاة فيه . وقال أبو حنيفة : المراد بقوله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلي ؛ وسيأتي بيانه . وقالت طائفة : المراد الموضع والصلاة معا ؛ لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ولا يصلون إلا مجتمعين ، فكانا متلازمين .

الخامسة : قوله تعالى : وأنتم سكارى ابتداء وخبر ، جملة في موضع الحال من تقربوا . وسكارى جمع سكران ؛ مثل كسلان وكسالى . وقرأ النخعي " سكرى " بفتح السين على مثال فعلى ، وهو تكسير سكران ؛ وإنما كسر على سكرى لأن السكر آفة تلحق العقل فجرى مجرى صرعى وبابه . وقرأ الأعمش " سكرى " كحبلى فهو صفة مفردة ؛ وجاز الإخبار بالصفة المفردة عن الجماعة على ما يستعملونه من الإخبار عن الجماعة بالواحد . والسكر : نقيض الصحو ؛ يقال : سكر يسكر سكرا ، من باب حمد يحمد . وسكرت عينه تسكر أي تحيرت ؛ ومنه قوله تعالى : إنما سكرت أبصارنا . وسكرت الشق سددته . فالسكران قد انقطع عما كان عليه من العقل .

السادسة : وفي هذه الآية دليل بل نص على أن الشرب كان مباحا في أول الإسلام حتى ينتهي بصاحبه إلى السكر . وقال قوم : السكر محرم في العقل وما أبيح في شيء من الأديان ؛ وحملوا السكر في هذه الآية على النوم . وقال القفال : يحتمل أنه كان أبيح لهم من الشراب ما يحرك الطبع إلى السخاء والشجاعة والحمية .

قلت : وهذا المعنى موجود في أشعارهم ؛ وقد قال حسان :

ونشربها فتتركنا ملوكا

وقد أشبعنا هذا المعنى في " البقرة " . قال القفال : فأما ما يزيل العقل حتى يصير صاحبه في حد الجنون والإغماء فما أبيح قصده ، بل لو اتفق من غير قصد فيكون مرفوعا عن صاحبه .

قلت : هذا صحيح ، وسيأتي بيانه في " المائدة " إن شاء الله تعالى في قصة حمزة . وكان المسلمون لما نزلت هذه الآية يجتنبون الشرب أوقات الصلوات ، فإذا صلوا العشاء شربوها ؛ فلم يزالوا على ذلك حتى نزل تحريمها في " المائدة " في قوله تعالى : فهل أنتم منتهون .

السابعة : قوله تعالى : حتى تعلموا ما تقولون أي حتى تعلموه متيقنين فيه من غير غلط . والسكران لا يعلم ما يقول ؛ ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : إن السكران لا يلزمه طلاقه . وروي عن ابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة ، وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور والمزني ؛ واختاره الطحاوي وقال : أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز ، والسكران معتوه كالموسوس معتوه بالوسواس . ولا يختلفون أن من شرب البنج فذهب عقله أن طلاقه غير جائز ؛ فكذلك من سكر من الشراب . وأجازت طائفة طلاقه ؛ وروي عن عمر بن الخطاب ومعاوية وجماعة من التابعين ، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي ، واختلف فيه قول الشافعي . وألزمه مالك الطلاق والقود في الجراح والقتل ، ولم يلزمه النكاح والبيع . وقال أبو حنيفة : أفعال السكران وعقوده كلها ثابتة كأفعال الصاحي ، إلا الردة فإنه إذا ارتد فإنه لا تبين منه امرأته إلا استحسانا . وقال أبو يوسف : يكون مرتدا في حال سكره ؛ وهو قول الشافعي إلا أنه لا يقتله في حال سكره ولا يستتيبه . وقال الإمام أبو عبد الله المازري : وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه لا يلزم طلاق السكران . وقال محمد بن عبد الحكم : لا يلزمه طلاق ولا عتاق . قال ابن شاس : ونزل الشيخ أبو الوليد الخلاف على المخلط الذي معه بقية من عقله إلا أنه لا يملك الاختلاط من نفسه فيخطئ ويصيب . قال : فأما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة ، فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أفعاله وأحواله فيما بينه وبين الناس ، وفيما بينه وبين الله تعالى أيضا ؛ إلا فيما ذهب وقته من الصلوات ، فقيل : إنها لا تسقط عنه بخلاف المجنون ؛ من أجل أنه بإدخاله السكر على نفسه كالمتعمد لتركها حتى خرج وقتها . وقال سفيان الثوري : حد السكر اختلال العقل ؛ فإذا استقرئ فخلط في قراءته وتكلم بما لا يعرف جلد . وقال أحمد : إذا تغير عقله عن حال الصحة فهو سكران ؛ وحكي عن مالك نحوه . قال ابن المنذر : إذا خلط في قراءته فهو سكران ؛ استدلالا بقول الله تعالى : حتى تعلموا ما تقولون . فإذا كان بحيث لا يعلم ما يقول تجنب المسجد مخافة التلويث ؛ ولا تصح صلاته وإن صلى قضى . وإن كان بحيث يعلم ما يقول فأتى بالصلاة فحكمه حكم الصاحي .

الثامنة : قوله تعالى : ولا جنبا عطف على موضع الجملة المنصوبة في قوله : حتى تعلموا أي لا تصلوا وقد أجنبتم . ويقال : تجنبتم وأجنبتم وجنبتم بمعنى . ولفظ الجنب لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع ؛ لأنه على وزن المصدر كالبعد والقرب . وربما خففوه فقالوا : جنب ؛ وقد قرأه كذلك قوم . وقال الفراء : يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة . وقيل : يجمع الجنب في لغة على أجناب ؛ مثل عنق وأعناق ، وطنب وأطناب . ومن قال للواحد جانب قال في الجمع : جناب ؛ كقولك : راكب وركاب . والأصل البعد ؛ كأن الجنب بعد بخروج الماء الدافق عن حال الصلاة ؛ قال :

فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب

ورجل جنب : غريب . والجنابة مخالطة الرجل المرأة .

التاسعة : والجمهور من الأمة على أن الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان . وروي عن بعض الصحابة ألا غسل إلا من إنزال ؛ لقوله عليه السلام : إنما الماء من الماء أخرجه مسلم . وفي البخاري عن أبي بن كعب أنه قال : يا رسول الله ، إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل ؟ قال : يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي . قال أبو عبد الله : الغسل أحوط ؛ وذلك الآخر إنما بيناه لاختلافهم . وأخرجه مسلم في صحيحه بمعناه ، وقال في آخره : قال أبو العلاء بن الشخير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضا كما ينسخ القرآن بعضه بعضا . قال أبو إسحاق : هذا منسوخ . وقال الترمذي : كان هذا الحكم في أول الإسلام ثم نسخ .

قلت : على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ، وأن الغسل يجب بنفس التقاء الختانين . وقد كان فيه خلاف بين الصحابة ثم رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان منه وجب الغسل . أخرجه مسلم . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل . زاد مسلم ( وإن لم ينزل ) . وقال ابن القصار : وأجمع التابعون ومن بعدهم بعد خلاف من قبلهم على الأخذ بحديث ( إذا التقى الختانان ) وإذا صح الإجماع بعد الخلاف كان مسقطا للخلاف . قال القاضي عياض : لا نعلم أحدا قال به بعد خلاف الصحابة إلا ما حكي عن الأعمش ثم بعده داود الأصبهاني . وقد روي أن عمر رضي الله عنه حمل الناس على ترك الأخذ بحديث ( الماء من الماء ) لما اختلفوا . وتأوله ابن عباس على الاحتلام ؛ أي إنما يجب الاغتسال بالماء من إنزال الماء في الاحتلام . ومتى لم يكن إنزال وإن رأى أنه يجامع فلا غسل . وهذا ما لا خلاف فيه بين كافة العلماء .

العاشرة : قوله تعالى : إلا عابري سبيل يقال : عبرت الطريق أي قطعته من جانب إلى جانب . وعبرت النهر عبورا ، وهذا عبر النهر أي شطه ، ويقال : عبر بالضم . والمعبر ما يعبر عليه من سفينة أو قنطرة . وهذا عابر السبيل أي مار الطريق . وناقة عبر أسفار : لا تزال يسافر عليها ويقطع بها الفلاة والهاجرة لسرعة مشيها . قال الشاعر :

عيرانة سرح اليدين شملة عبر الهواجر كالهزف الخاضب

وعبر القوم ماتوا . وأنشد :

قضاء الله يغلب كل شيء ويلعب بالجزوع وبالصبور

فإن نعبر فإن لنا لمات وإن نغبر فنحن على نذور

يقول : إن متنا فلنا أقران ، وإن بقينا فلا بد لنا من الموت ؛ حتى كأن علينا في إتيانه نذورا .

الحادية عشرة : واختلف العلماء في قوله : إلا عابري سبيل فقال علي رضي الله عنه وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم : عابر السبيل المسافر . ولا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال ، إلا المسافر فإنه يتيمم ؛ وهذا قول أبي حنيفة ؛ لأن الغالب في الماء لا يعدم في الحضر ؛ فالحاضر يغتسل لوجود الماء ، والمسافر يتيمم إذا لم يجده . قال ابن المنذر : وقال أصحاب الرأي في الجنب المسافر يمر على مسجد فيه عين ماء يتيمم الصعيد ويدخل المسجد ويستقي منها ثم يخرج الماء من المسجد . ورخصت طائفة في دخول الجنب المسجد . واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم : المؤمن ليس بنجس . قال ابن المنذر : وبه نقول . وقال ابن عباس أيضا وابن مسعود وعكرمة والنخعي : عابر السبيل الخاطر المجتاز ؛ وهو قول عمرو بن دينار ومالك والشافعي . وقالت طائفة : لا يمر الجنب في المسجد إلا ألا يجد بدا فيتيمم ويمر فيه ؛ هكذا قال الثوري وإسحاق بن راهويه . وقال أحمد وإسحاق في الجنب : إذا توضأ لا بأس أن يجلس في المسجد حكاه ابن المنذر . وروى بعضهم في سبب الآية أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد ، فإذا أصاب أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد .

قلت : وهذا صحيح ؛ يعضده ما رواه أبو داود عن جسرة بنت دجاجة قالت : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ؛ فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد . ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل لهم رخصة فخرج إليهم فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب . وفي صحيح مسلم : لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر . فأمر صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب لما كان يؤدي ذلك إلى اتخاذ المسجد طريقا والعبور فيه . واستثنى خوخة أبي بكر إكراما له وخصوصية ؛ لأنهما كانا لا يفترقان غالبا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن أذن لأحد أن يمر في المسجد ولا يجلس فيه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ورواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينبغي لمسلم ولا يصلح أن يجنب في المسجد إلا أنا وعلي . قال علماؤنا : وهذا يجوز أن يكون ذلك ؛ لأن بيت علي كان في المسجد ، كما كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، وإن كان البيتان لم يكونا في المسجد ولكن كانا متصلين بالمسجد وأبوابهما كانت في المسجد فجعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد فقال : ما ينبغي لمسلم . . الحديث . والذي يدل على أن بيت علي كان في المسجد ما رواه ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال : سأل رجل أبي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أيهما كان خيرا ؟ فقال له عبد الله بن عمر : هذا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأشار إلى بيت علي إلى جنبه ، لم يكن في المسجد غيرهما ؛ وذكر الحديث . فلم يكونا يجنبان في المسجد وإنما كانا يجنبان في بيوتهما ، وبيوتهما من المسجد إذ كان أبوابهما فيه ؛ فكانا يستطرقانه في حال الجنابة إذا خرجا من بيوتهما . ويجوز أن يكون ذلك تخصيصا لهما ؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خص بأشياء ، فيكون هذا مما خص به ، ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام فرخص له في ما لم يرخص فيه لغيره . وإن كانت أبواب بيوتهم في المسجد ، فإنه كان في المسجد أبواب بيوت غير بيتيهما ؛ حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسدها إلا باب علي . وروى عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سدوا الأبواب إلا باب علي فخصه عليه السلام بأن ترك بابه في المسجد ، وكان يجنب في بيته وبيته في المسجد . وأما قوله : لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر فإن ذلك كانت - والله أعلم - أبوابا تطلع إلى المسجد خوخات ، وأبواب البيوت خارجة من المسجد ؛ فأمر عليه السلام بسد تلك الخوخات وترك خوخة أبي بكر إكراما له . والخوخات كالكوى والمشاكي ، وباب علي كان باب البيت الذي كان يدخل منه ويخرج . وقد فسر ابن عمر ذلك بقوله : ولم يكن في المسجد غيرهما .

فإن قيل : فقد ثبت عن عطاء بن يسار أنه قال : كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضئون ويأتون المسجد فيتحدثون فيه . وهذا يدل على أن اللبث في المسجد للجنب جائز إذا توضأ ؛ وهو مذهب أحمد وإسحاق كما ذكرنا . فالجواب أن الوضوء لا يرفع حدث الجنابة ، وكل موضع وضع للعبادة وأكرم عن النجاسة الظاهرة ينبغي ألا يدخله من لا يرضى لتلك العبادة ، ولا يصح له أن يتلبس بها . والغالب من أحوالهم المنقولة أنهم كانوا يغتسلون في بيوتهم . فإن قيل : يبطل بالمحدث . قلنا : ذلك يكثر وقوعه فيشق الوضوء منه ؛ وفي قوله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل ما يغني ويكفي . وإذا كان لا يجوز له اللبث في المسجد فأحرى ألا يجوز له مس المصحف ولا القراءة فيه ؛ إذ هو أعظم حرمة . وسيأتي بيانه في " الواقعة " إن شاء الله تعالى .

الثانية عشرة : ويمنع الجنب عند علمائنا من قراءة القرآن غالبا إلا الآيات اليسيرة للتعوذ . وقد روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن أخرجه ابن ماجه . وأخرج الدارقطني من حديث سفيان عن مسعر ، وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا أن يكون جنبا . قال سفيان : قال لي شعبة : ما أحدث بحديث أحسن منه . وأخرجه ابن ماجه قال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ؛ فذكره بمعناه ، وهذا إسناد صحيح . وعن ابن عباس ، عن عبد الله بن رواحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب ؛ أخرجه الدارقطني . وروى عن عكرمة قال : كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها ؛ وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه ، فقامت فخرجت فرأته على جاريته ، فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت ، وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة فقال مهيم ؟ قالت : مهيم ! لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشفرة . قال : وأين رأيتني ؟ قالت : رأيتك على الجارية ؛ فقال : ما رأيتني ؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب . قالت : فاقرأ ، وكانت لا تقرأ القرآن ، فقال :

أتانا رسول الله يتلو كتابه كما لاح مشهور من الفجر ساطع

أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

فقالت : آمنت بالله وكذبت البصر . ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ؛ فضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم .

الثالثة عشرة : حتى تغتسلوا نهى الله سبحانه وتعالى عن الصلاة إلا بعد الاغتسال ؛ والاغتسال معنى معقول ، ولفظه عند العرب معلوم ، يعبر به عن إمرار اليد مع الماء على المغسول ؛ ولذلك فرقت العرب بين قولهم : غسلت الثوب ، وبين قولهم : أفضت عليه الماء وغمسته في الماء . إذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجنب يصب على جسده الماء أو ينغمس فيه ولا يتدلك ؛ فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه حتى يتدلك ؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر الجنب بالاغتسال ، كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه ؛ ولم يكن للمتوضئ بد من إمرار يديه مع الماء على وجهه ويديه ، فكذلك جميع جسد الجنب ورأسه في حكم وجه المتوضئ ويديه . وهذا قول المزني واختياره . قال أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي : وهذا هو المعقول من لفظ الغسل ؛ لأن الاغتسال في اللغة هو الافتعال ، ومن لم يمر فلم يفعل غير صب الماء لا يسميه أهل اللسان غاسلا ، بل يسمونه صابا للماء ومنغمسا فيه . قال : وعلى نحو هذا جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة قال : وإنقاؤه - والله أعلم - لا يكون إلا بتتبعه ؛ على حد ما ذكرنا .

قلت : لا حجة فيما استدل به من الحديث لوجهين : أحدهما : أنه قد خولف في تأويله ؛ قال سفيان بن عيينة : المراد بقوله عليه السلام وأنقوا البشرة أراد غسل الفرج وتنظيفه ، وأنه كنى بالبشرة عن الفرج . قالابن وهب : ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الأحاديث من ابن عيينة .

الثاني : أن الحديث أخرجه أبو داود في سننه وقال فيه : وهذا الحديث ضعيف ؛ كذا في رواية ابن داسة . وفي رواية اللؤلئي عنه : الحارث بن وجيه ضعيف ، حديثه منكر ؛ فسقط الاستدلال بالحديث ، وبقي المعول على اللسان كما بينا . ويعضده ما ثبت في صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه ، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله ؛ روته عائشة ، ونحوه عن أم قيس بنت محصن ؛ أخرجهما مسلم . وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء : يجزئ الجنب صب الماء والانغماس فيه إذا أسبغ وعم وإن لم يتدلك ؛ على مقتضى حديث ميمونة وعائشة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم . رواهما الأئمة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض الماء على جسده ؛ وبه قال محمد بن عبد الحكم ، وإليه رجع أبو الفرج ورواه عن مالك ؛ قال : وإنما أمر بإمرار اليدين في الغسل لأنه لا يكاد من لم يمر يديه عليه يسلم من تنكب الماء عن بعض ما يجب عليه من جسده . وقال ابن العربي : وأعجب لأبي الفرج الذي روى وحكى عن صاحب المذهب أن الغسل دون ذلك يجزئ ! وما قاله قط مالك نصا ولا تخريجا ، وإنما هي من أوهامه .

قلت : قد روي هذا عن مالك نصا ؛ قال مروان بن محمد الظاهري وهو ثقة من ثقات الشاميين : سألت مالك بن أنس عن رجل انغمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ ، قال : مضت صلاته .

قال أبو عمر : فهذه الرواية فيها لم يتدلك ولا توضأ ، وقد أجزأه عند مالك . والمشهور من مذهبه أنه لا يجزئه حتى يتدلك ؛ قياسا على غسل الوجه واليدين . وحجة الجماعة أن كل من صب عليه الماء فقد اغتسل . والعرب تقول : غسلتني السماء . وقد حكت عائشة وميمونة صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكرا تدلكا ، ولو كان واجبا ما تركه ؛ لأنه المبين عن الله مراده ، ولو فعله لنقل عنه ؛ كما نقل تخليل أصول شعره بالماء وغرفه على رأسه ، وغير ذلك من صفة غسله ووضوئه عليه السلام . قال أبو عمر : وغير نكير أن يكون الغسل في لسان العرب مرة بالعرك ومرة بالصب والإفاضة ؛ وإذا كان هذا فلا يمتنع أن يكون الله جل وعز تعبد عباده في الوضوء بإمرار أيديهم على وجوههم مع الماء ويكون ذلك غسلا ، وأن يفيضوا الماء على أنفسهم في غسل الجنابة والحيض ، ويكون ذلك غسلا موافقا للسنة غير خارج من اللغة ، ويكون كل واحد من الأمرين أصلا في نفسه ، لا يجب أن يرد أحدهما إلى صاحبه ؛ لأن الأصول لا يرد بعضها إلى بعض قياسا - وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء الأمة . وإنما ترد الفروع قياسا على الأصول . وبالله التوفيق .

الرابعة عشرة : حديث ميمونة وعائشة يرد ما رواه شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه سبعا وفرجه سبعا . وقد روي عن ابن عمر قال : كانت الصلاة خمسين ، والغسل من الجنابة سبع مرار ، وغسل البول من الثوب سبع مرار ؛ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا ، والغسل من الجنابة مرة ، والغسل من البول مرة . قال ابن عبد البر : وإسناد هذا الحديث عن ابن عمر فيه ضعف ولين ، وإن كان أبو داود قد خرجه والذي قبله عن شعبة مولى ابن عباس ، وشعبة هذا ليس بالقوي ، ويردهما حديث عائشة وميمونة .

الخامسة عشرة : ومن لم يستطع إمرار يده على جسده فقد قال سحنون : يجعل من يلي ذلك منه ، أو يعالجه بخرقة . وفي الواضحة : يمر يديه على ما يدركه من جسده ، ثم يفيض الماء حتى يعم ما لم تبلغه يداه .

السادسة عشرة : واختلف قول مالك في تخليل الجنب لحيته ؛ فروى ابن القاسم عنه أنه قال : ليس عليه ذلك . وروى أشهب عنه أن عليه ذلك . قال ابن عبد الحكم : ذلك هو أحب إلينا ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل شعره في غسل الجنابة ، وذلك عام وإن كان الأظهر فيه شعر رأسه ؛ وعلى هذين القولين العلماء . ومن جهة المعنى أن استيعاب جميع الجسد في الغسل واجب ، والبشرة التي تحت اللحية من جملته ؛ فوجب إيصال الماء إليها ومباشرتها باليد . وإنما انتقل الفرض إلى الشعر في الطهارة الصغرى لأنها مبنية على التخفيف ، ونيابة الأبدال فيها من غير ضرورة ؛ ولذلك جاز فيها المسح على الخفين ولم يجز في الغسل .

قلت : ويعضد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : تحت كل شعرة جنابة .

السابعة عشرة : وقد بالغ قوم فأوجبوا المضمضة والاستنشاق ؛ لقوله تعالى : حتى تغتسلوا منهم أبو حنيفة ؛ ولأنهما من جملة الوجه وحكمهما حكم ظاهر الوجه كالخد والجبين ، فمن تركهما وصلى أعاد كمن ترك لمعة ، ومن تركهما في وضوئه فلا إعادة عليه . وقال مالك : ليستا بفرض لا في الجنابة ولا في الوضوء ؛ لأنهما باطنان فلا يجب كداخل الجسد . وبذلك قال محمد بن جرير الطبري والليث بن سعد والأوزاعي وجماعة من التابعين . وقال ابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان : هما فرض في الوضوء والغسل جميعا ؛ وهو قول إسحاق وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب داود . وروي عن الزهري وعطاء مثل هذا القول . وروي عن أحمد أيضا أن المضمضة سنة والاستنشاق فرض ؛ وقال به بعض أصحاب داود . وحجة من لم يوجبهما أن الله سبحانه لم يذكرهما في كتابه ، ولا أوجبهما رسوله ولا اتفق الجميع عليه ؛ والفرائض لا تثبت إلا بهذه الوجوه . احتج من أوجبهما بالآية ، وقوله تعالى : فاغسلوا وجوهكم فما وجب في الواحد من الغسل وجب في الآخر ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه ترك المضمضة والاستنشاق في وضوئه ولا في غسله من الجنابة ؛ وهو المبين عن الله مراده قولا وعملا . احتج من فرق بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها ، وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إلا بدليل ، وفعل الاستنشاق وأمر به ؛ وأمره على الوجوب أبدا .

الثامنة عشرة : قال علماؤنا : ولا بد في غسل الجنابة من النية ؛ لقوله تعالى : حتى تغتسلوا وذلك يقتضي النية ؛ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، وكذلك الوضوء والتيمم . وعضدوا هذا بقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين والإخلاص النية في التقرب إلى الله تعالى ، والقصد له بأداء ما افترض على عباده المؤمنين ، وقال عليه السلام : إنما الأعمال بالنيات وهذا عمل . وقال الأوزاعي والحسن : يجزئ الوضوء والتيمم بغير نية . وقال أبو حنيفة وأصحابه : كل طهارة بالماء فإنها تجزئ بغير نية ، ولا يجزئ التيمم إلا بنية ؛ قياسا على إزالة النجاسة بالإجماع من الأبدان والثياب بغير نية . ورواه الوليد بن مسلم عن مالك .

التاسعة عشرة : وأما قدر الماء الذي يغتسل به ؛ فروى مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة . " الفرق " تحرك راؤه وتسكن . قال ابن وهب : " الفرق " مكيال من الخشب ، كان ابن شهاب يقول : إنه يسع خمسة أقساط بأقساط بني أمية . وقد فسر محمد بن عيسى الأعشى " الفرق " فقال : ثلاثة آصع ، قال : وهي خمسة أقساط ، قال : وفي الخمسة أقساط اثنا عشر مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وفي صحيح مسلم قال سفيان : " الفرق " ثلاثة آصع . وعن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد . وفي رواية : يغتسل بخمسة مكاكيك ويتوضأ بمكوك . وهذه الأحاديث تدل على استحباب تقليل الماء من غير كيل ولا وزن ، يأخذ منه الإنسان بقدر ما يكفي ولا يكثر منه ، فإن الإكثار منه سرف والسرف مذموم . ومذهب الإباضية الإكثار من الماء ، وذلك من الشيطان .

الموفية عشرين : قوله تعالى : وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم

هذه آية التيمم ، نزلت في عبد الرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو جريح ؛ فرخص له في أن يتيمم ، ثم صارت الآية عامة في جميع الناس . وقيل : نزلت بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة " المريسيع " حين انقطع العقد لعائشة . أخرج الحديث مالك من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة . وترجم البخاري هذه الآية في كتاب التفسير : حدثنا محمد قال : أخبرنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : هلكت قلادة لأسماء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالا ، فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء ؛ فأنزل الله تعالى آية التيمم .

قلت : وهذه الرواية ليس فيها ذكر للموضع ، وفيها أن القلادة كانت لأسماء ؛ خلاف حديث مالك . وذكر النسائي من رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة لها وهي في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانسلت منها وكان ذلك المكان يقال له الصلصل ؛ وذكر الحديث . ففي هذه الرواية عن هشام أن القلادة كانت لأسماء ، وأن عائشة استعارتها من أسماء . وهذا بيان لحديث مالك إذا قال : انقطع عقد لعائشة ، ولحديث البخاري إذ قال : هلكت قلادة لأسماء . وفيه أن المكان يقال له الصلصل . وأخرجه الترمذي حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة أنها سقطت قلادتها ليلة الأبواء ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين في طلبها ، وذكر الحديث . ففي هذه الرواية عن هشام أيضا إضافة القلادة إليها ، لكن إضافة مستعير بدليل حديث النسائي . وقال في المكان : " الأبواء " كما قال مالك ، إلا أنه من غير شك . وفي حديث مالك قال : وبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته . وجاء في البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجده . وهذا كله صحيح المعنى ، وليس اختلاف النقلة في العقد والقلادة ولا في الموضع ما يقدح في الحديث ولا يوهن شيئا منه ؛ لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود به إليه هو نزول التيمم ، وقد ثبتت الروايات في أمر القلادة . وأما قوله في حديث الترمذي : فأرسل رجلين قيل : أحدهما أسيد بن حضير . ولعلهما المراد بالرجال في حديث البخاري فعبر عنهما بلفظ الجمع ، إذ أقل الجمع اثنان ، أو أردف في أثرهما غيرهما فصح إطلاق اللفظ والله أعلم . فبعثوا في طلبها فطلبوا فلم يجدوا شيئا في وجهتهم ، فلما رجعوا أثاروا البعير فوجدوه تحته . وقد روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جراحة ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية . وهذا أيضا ليس بخلاف لما ذكرنا ؛ فإنهم ربما أصابتهم الجراحة في غزوتهم تلك التي قفلوا منها إذ كان فيها قتال فشكوا ، وضاع العقد ونزلت الآية . وقد قيل : إن ضياع العقد كان في غزاة بني المصطلق . وهذا أيضا ليس بخلاف لقول من قال في غزاة المريسيع ، إذ هي غزاة واحدة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة من الهجرة ، على ما قال خليفة بن خياط وأبو عمر بن عبد البر ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري . وقيل : بل نميلة بن عبد الله الليثي . وأغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون ، وهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل فقتل من قتل وسبى من سبى من النساء والذرية وكان شعارهم يومئذ : أمت أمت . وقد قيل : إن بني المصطلق جمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوه ، فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على ماء . فهذا ما جاء في بدء التيمم والسبب فيه . وقد قيل : إن آية المائدة آية التيمم ، على ما يأتي بيانه هناك . قال أبو عمر : فأنزل الله تعالى آية التيمم ، وهي آية الوضوء المذكورة في سورة " المائدة " ، أو الآية التي في سورة " النساء " . ليس التيمم مذكورا في غير هاتين الآيتين وهما مدنيتان .

الحادية والعشرون : قوله تعالى : مرضى المرض عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال والاعتياد ، إلى الاعوجاج والشذوذ . وهو على ضربين : كثير ويسير ؛ فإذا كان كثيرا بحيث يخاف الموت لبرد الماء ، أو للعلة التي به ، أو يخاف فوت بعض الأعضاء ، فهذا يتيمم بإجماع ؛ إلا ما روي عن الحسن وعطاء أنه يتطهر وإن مات . وهذا مردود بقوله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم . وروى الدارقطني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل : وإن كنتم مرضى أو على سفر قال : إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب فخاف أن يموت إن اغتسل ، تيمم . وعن سعد بن جبير أيضا عن ابن عباس قال : رخص للمريض في التيمم بالصعيد . وتيمم عمرو بن العاص لما خاف أن يهلك من شدة البرد ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بغسل ولا إعادة . فإن كان يسيرا إلا أنه يخاف معه حدوث علة أو زيادتها أو بطء برء فهؤلاء يتيممون بإجماع من المذهب . قال ابن عطية : فيما حفظت .

قلت : قد ذكر الباجي فيه خلافا ؛ قال القاضي أبو الحسن : مثل أن يخاف الصحيح نزلة أو حمى ، وكذلك إن كان المريض يخاف زيادة مرض ؛ وبنحو ذلك قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : لا يجوز له التيمم مع وجود الماء إلا أن يخاف التلف ؛ ورواه القاضي أبو الحسن عن مالك . قال ابن العربي : " قال الشافعي لا يباح التيمم للمريض إلا إذا خاف التلف ؛ لأن زيادة المرض غير متحققة ؛ لأنها قد تكون وقد لا تكون ، ولا يجوز ترك الفرض المتيقن للخوف المشكوك . قلنا : قد ناقضت ؛ فإنك قلت إذا خاف التلف من البرد تيمم ؛ فكما يبيح التيمم خوف التلف كذلك يبيحه خوف المرض ؛ لأن المرض محذور كما أن التلف محذور . قال : وعجبا للشافعي يقول : لو زاد الماء على قدر قيمته حبة لم يلزمه شراؤه صيانة للمال ويلزمه التيمم ، وهو يخاف على بدنه المرض ! وليس لهم عليه كلام يساوي سماعه " .

قلت : الصحيح من قول الشافعي فيما قال القشيري أبو نصر عبد الرحيم في تفسيره : والمرض الذي يباح له التيمم هو الذي يخاف فيه فوت الروح أو فوات بعض الأعضاء لو استعمل الماء . فإن خاف طول المرض فالقول الصحيح للشافعي : جواز التيمم . روى أبو داود والدارقطني ، عن يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ؛ فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح ؛ فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو : صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله عز وجل يقول : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا . فدل هذا الحديث على إباحة التيمم مع الخوف لا مع اليقين ، وفيه إطلاق اسم الجنب على المتيمم وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين ؛ وهذا أحد القولين عندنا ؛ وهو الصحيح وهو الذي أقرأه مالك في موطئه وقرئ عليه إلى أن مات .

والقول الثاني : أنه لا يصلي ؛ لأنه أنقص فضيلة من المتوضئ ، وحكم الإمام أن يكون أعلى رتبة ؛ وقد روى الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤم المتيمم المتوضئين إسناده ضعيف . وروى أبو داود والدارقطني عن جابر قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم ، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ؛ فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال : قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب - شك موسى - على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده . قال الدارقطني : " قال أبو بكر هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحملها أهل الجزيرة ، ولم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق ، وليس بالقوي ، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس وهو الصواب . واختلف عن الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء ، وقيل عنه : بلغني عن عطاء ، وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب . وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا : رواه ابن أبي العشرين ، عن الأوزاعي ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وأسند الحديث " . وقال داود : كل من انطلق عليه اسم المريض فجائز له التيمم ؛ لقوله تعالى : وإن كنتم مرضى . قال ابن عطية : وهذا قول خلف ، وإنما هو عند علماء الأمة لمن خاف من استعمال الماء أو تأذيه به كالمجدور والمحصوب ، والعلل المخوف عليها من الماء ؛ كما تقدم عن ابن عباس .

الثانية والعشرون : أو على سفر يجوز التيمم بسبب السفر طال أو قصر عند عدم الماء ، ولا يشترط أن يكون مما تقصر فيه الصلاة ؛ هذا مذهب مالك وجمهور العلماء . وقال قوم : لا يتيمم إلا في سفر تقصر فيه الصلاة . واشترط آخرون أن يكون سفر طاعة . وهذا كله ضعيف . والله أعلم .

الثالثة والعشرون : أجمع العلماء على جواز التيمم في السفر حسبما ذكرنا ، واختلفوا فيه في الحضر ؛ فذهبمالك وأصحابه إلى أن التيمم في الحضر والسفر جائز ؛ وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال الشافعي : لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف ؛ وهو قول الطبري . وقال الشافعي أيضا والليث والطبري : إذا عدم الماء في الحضر مع خوف الوقت الصحيح والسقيم تيمم وصلى ثم أعاد . وقال أبو يوسف وزفر : لا يجوز التيمم في الحضر لا لمرض ولا لخوف الوقت وقال الحسن وعطاء : لا يتيمم المريض إذا وجد الماء ، ولا غير المريض . وسبب الخلاف اختلافهم في مفهوم الآية ؛ فقال مالك ومن تابعه : ذكر الله تعالى المرضى والمسافرين في شرط التيمم خرج على الأغلب فيمن لا يجد الماء ، والحاضرون الأغلب عليهم وجوده فلذلك لم ينص عليهم . فكل من لم يجد الماء أو منعه منه مانع أو خاف فوات وقت الصلاة ، تيمم المسافر بالنص ، والحاضر بالمعنى . وكذلك المريض بالنص والصحيح بالمعنى . وأما من منعه في الحضر فقال : إن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر ؛ كالفطر وقصر الصلاة ، ولم يبح التيمم إلا بشرطين ، وهما المرض والسفر ؛ فلا دخول للحاضر الصحيح في ذلك لخروجه من شرط الله تعالى . وأما قول الحسن وعطاء الذي منعه جملة مع وجود الماء فقال : إنما شرطه الله تعالى مع عدم الماء ، لقوله تعالى : فلم تجدوا ماء فتيمموا فلم يبح التيمم لأحد إلا عند فقد الماء . وقال أبو عمر : ولولا قول الجمهور وما روي من الأثر لكان قول الحسن وعطاء صحيحا ؛ والله أعلم . وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم لعمرو بن العاص وهو مسافر إذ خاف الهلاك إن اغتسل بالماء ، فالمريض أحرى بذلك .

قلت : ومن الدليل على جواز التيمم في الحضر إذا خاف فوات الصلاة إن ذهب إلى الماء الكتاب والسنة :

أما الكتاب فقوله سبحانه : أو جاء أحد منكم من الغائط يعني المقيم إذا عدم الماء تيمم . نص عليه القشيري عبد الرحيم قال : ثم يقطع النظر في وجوب القضاء ؛ لأن عدم الماء في الحضر عذر نادر وفي القضاء قولان :

قلت : وهكذا نص أصحابنا فيمن تيمم في الحضر ، فهل يعيد إذا وجد الماء أم لا ؛ المشهور من مذهب مالك أنه لا يعيد وهو الصحيح . وقال ابن حبيب ومحمد بن عبد الحكم . يعيد أبدا ؛ ورواه ابن المنذر عن مالك . وقال الوليد عنه : يغتسل وإن طلعت الشمس .

وأما السنة فما رواه البخاري عن أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو " بئر جمل " فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ، ثم رد عليه السلام . وأخرجه مسلم وليس فيه لفظ " بئر " . وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر وفيه " ثم رد على الرجل السلام وقال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر .

الرابعة والعشرون : أو جاء أحد منكم من الغائط الغائط أصله ما انخفض من الأرض ، والجمع الغيطان أو الأغواط ؛ وبه سمي غوطة دمشق . وكانت العرب تقصد هذا الصنف من المواضع لقضاء حاجتها تسترا عن أعين الناس ، ثم سمي الحدث الخارج من الإنسان غائطا للمقارنة . وغاط في الأرض يغوط إذا غاب .

وقرأ الزهري : " من الغيط " فيحتمل أن يكون أصله الغيط فخفف ، كهين وميت وشبهه . ويحتمل أن يكون من الغوط ؛ بدلالة قولهم تغوط إذا أتى الغائط ، فقلبت واو الغوط ياء ؛ كما قالوا في لا حول لا حيل . وأو بمعنى الواو ، أي إن كنتم مرضى أو على سفر وجاء أحد منكم من الغائط فتيمموا فالسبب الموجب للتيمم على هذا هو الحدث لا المرض والسفر ؛ فدل على جواز التيمم في الحضر كما بيناه . والصحيح في أو أنها على بابها عند أهل النظر . فلأو معناها ، وللواو معناها . وهذا عندهم على الحذف ، والمعنى وإن كنتم مرضى مرضا لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء . والله أعلم .

الخامسة والعشرون : لفظ الغائط يجمع بالمعنى جميع الأحداث الناقضة للطهارة الصغرى . وقد اختلف الناس في حصرها ، وأنبل ما قيل في ذلك أنها ثلاثة أنواع ، لا خلاف فيها في مذهبنا : زوال العقل ، خارج معتاد ، ملامسة . وعلى مذهب أبي حنيفة ما خرج من الجسد من النجاسات ، ولا يراعى المخرج ولا يعد اللمس . وعلى مذهب الشافعي ومحمد بن عبد الحكم ما خرج من السبيلين ، ولا يراعى الاعتياد ، ويعد اللمس . وإذا تقرر هذا فاعلم أن المسلمين أجمعوا على أن من زال عقله بإغماء أو جنون أو سكر فعليه الوضوء ، واختلفوا في النوم هل هو حدث كسائر الأحداث ؟ أو ليس بحدث أو مظنة حدث ؛ ثلاثة أقوال : طرفان وواسطة .

الطرف الأول : ذهب المزني أبو إبراهيم إسماعيل إلى أنه حدث ، وأن الوضوء يجب بقليله وكثيره كسائر الأحداث ؛ وهو مقتضى قول مالك في الموطأ لقوله : ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم . ومقتضى حديث صفوان بن عسال أخرجه النسائي والدارقطني والترمذي وصححه . رووه جميعا من حديث عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش فقال : أتيت صفوان بن عسال المرادي فقلت : جئتك أسألك عن المسح على الخفين ؛ قال : نعم كنت في الجيش الذي بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ، ويوما وليلة إذا أقمنا ، ولا نخلعهما من بول ولا غائط ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جنابة . ففي هذا الحديث وقول مالك التسوية بين الغائط والبول والنوم . قالوا : والقياس أنه لما كان كثيره وما غلب على العقل منه حدثا وجب أن يكون قليله كذلك . وقد روي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ وهذا عام . أخرجه أبو داود ، وأخرجه الدارقطني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما الطرف الآخر فروي عن أبي موسى الأشعري ما يدل على أن النوم عنده ليس بحدث على أي حال كان ، حتى يحدث النائم حدثا غير النوم ؛ لأنه كان يوكل من يحرسه إذا نام . فإن لم يخرج منه حدث قام من نومه وصلى ؛ وروي عن عبيدة وسعيد بن المسيب والأوزاعي في رواية محمود بن خالد . والجمهور على خلاف هذين الطرفين . فأما جملة مذهب مالك فإن كل نائم استثقل نوما ، وطال نومه على أي حال كان ، فقد وجب عليه الوضوء ؛ وهو قول الزهري وربيعة والأوزاعي في رواية الوليد بن مسلم . قال أحمد بن حنبل : فإن كان النوم خفيفا لا يخامر القلب ولا يغمره لم يضر . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا وضوء إلا على من نام مضطجعا أو متوركا . وقال الشافعي : من نام جالسا فلا وضوء عليه ؛ ورواه ابن وهب عن مالك . والصحيح من هذه الأقوال مشهور مذهب مالك ؛ لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة يعني العشاء فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم رواه الأئمة واللفظ للبخاري ؛ وهو أصح ما في هذا الباب من جهة الإسناد والعمل .

وأما ما قاله مالك في موطئه وصفوان بن عسال في حديثه فمعناه : ونوم ثقيل غالب على النفس ؛ بدليل هذا الحديث وما كان في معناه . وأيضا فقد روى حديث صفوان وكيع عن مسعر عن عاصم بن أبي النجود فقال : ( أو ريح ) بدل ( أو نوم ) ، فقال الدارقطني : لم ?

تفسير الطبري

يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما

القول في تأويل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } يعني بقوله جل ثناؤه : { يا أيها الذين آمنوا } صدقوا الله ورسوله { لا تقربوا الصلاة } لا تصلوا { وأنتم سكارى } وهو جمع سكران , { حتى تعلموا ما تقولون } في صلاتكم , وتقرءون فيها مما أمركم الله به , أو ندبكم إلى قيله فيها مما نهاكم عنه وزجركم . ثم اختلف أهل التأويل في السكر الذي عناه الله بقوله : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فقال بعضهم : عنى بذلك : السكر من الشراب. ذكر من قال ذلك : 7554 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عطاء بن السائب , عن أبي عبد الرحمن , عن علي : أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر , فصلى بهم عبد الرحمن , فقرأ : " قل يا أيها الكافرون " فخلط فيها , فنزلت : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } 7555 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا حماد , عن عطاء بن السائب , عن عبد الله بن حبيب : أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا , فدعا نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فأكلوا وشربوا حتى ثملوا , فقدموا عليا يصلي بهم المغرب , فقرأ : قل يا أيها الكافرون , أعبد ما تعبدون , وأنتم عابدون ما أعبد , وأنا عابد ما عبدتم , لكم دينكم ولي دين . فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } 7556 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } قبل أن تحرم الخمر , فقال الله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } . .. الآية. 7557 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن أبي رزين في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } قال : نزل هذا وهم يشربون الخمر , فقال : وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر . 7558 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن أبي رزين , قال : كانوا يشربون بعد ما أنزلت التي في البقرة , وبعد التي في النساء , فلما أنزلت التي في المائدة تركوها . 7559 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } قال : نهوا أن يصلوا وهم سكارى , ثم نسخها تحريم الخمر . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 7560 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } قال : كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات , ثم نسخ بتحريم الخمر . 7561 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن أبي وائل وأبي رزين وإبراهيم في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } و { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } 2 90 وقوله : { تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } 16 67 قالوا : كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى من النوم. ذكر من قال ذلك : 7562 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } قال : سكر النوم . * - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سلمة , عن الضحاك : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } قال : لم يعن بها سكر الخمر , وإنما عنى بها سكر النوم. قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية , تأويل من قال ذلك نهي من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر , للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك نهي من الله , وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه . فإن قال لنا قائل : وكيف يكون ذلك معناه , والسكران في حال زوال عقله نظير المجنون في حال زوال عقله , وأنت ممن تحيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم بما يؤمر وينهى ؟ قيل له : إن السكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائز أمره ونهيه , ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذر , غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأحر جسمه وأخدره , حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله , فهو بما أمر به ونهي عنه عارف فهم , وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب. وأما من صار إلى حد لا يعقل ما يأتي ويذر , فذلك منتقل من السكر إلى الخبل , ومعدود في المجانين , وليس ذلك الذي خوطب بقوله : { لا تقربوا الصلاة } لأن ذلك مجنون , وإنما خوطب به السكران , والسكران ما وصفنا صفته.تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى

القول في تأويل قوله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : معنى ذلك : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون , ولا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل , يعني : إلا أن تكونوا مجتازي طريق : أي مسافرين حتى تغتسلوا . ذكر من قال ذلك : 7563 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى , قالا : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن قتادة , عن أبي مجلز , عن ابن عباس , في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : المسافر. وقال ابن المثنى : في السفر . 7564 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } يقول : لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب , إذا وجدتم الماء , فإن لم تجدوا الماء , فقد أحللت لكم أن تمسحوا بالأرض . 7565 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن ابن أبي ليلى , عن المنهال , عن عباد بن عبد الله , أو عن زر , عن علي رضي الله عنه : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : إلا أن تكونوا مسافرين فلا تجدوا الماء فتيمموا . 7566 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن سالم الأفطس , عن سعيد بن جبير في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : المسافر . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا هشام , عن قتادة , عن أبي مجلز , عن ابن عباس , بمثله . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون بن المغيرة , عن عنبسة , عن ابن أبي ليلى , عن المنهال بن عمرو , عن عباد بن عبد الله , عن علي رضي الله عنه , قال : نزلت في السفر : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } وعابر السبيل : المسافر إذا لم يجد ماء تيمم . 7567 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا هارون , عن ابن مجاهد , عن أبيه : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم فيصلي . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد , في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : هو الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون صعيدا طيبا , حتى يجدوا الماء فيغتسلوا. * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : مسافرين لا يجدون ماء . 7568 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن مسعر , عن بكير بن الأخنس , عن الحسن بن مسلم , في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : إلا أن يكونوا مسافرين , فلا يجدوا الماء فيتيمموا. 7569 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام عن عمرو , عن منصور , عن الحكم : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : المسافر تصيبه الجنابة , فلا يجد ماء فيتيمم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن سفيان , عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير , وعن منصور , عن الحكم في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قالا : المسافر الجنب لا يجد الماء فيتيمم فيصلي . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن سالم , عن سعيد بن جبير : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } إلا أن يكون مسافرا . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن الحكم , نحوه. 7570 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عبد الله بن كثير , قال : كنا نسمع أنه في السفر . 7571 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : هو المسافر الذي لا يجد الماء فلا بد له من أن يتيمم ويصلي , فهو يتيمم ويصلي . قال : كان أبي يقول هذا . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تقربوا المصلى للصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون , ولا تقربوه جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل , يعني : إلا مجتازين فيه للخروج منه . فقال أهل هذه المقالة : أقيمت الصلاة مقام المصلى والمسجد , إذ كانت صلاة المسلمين في مساجدهم أيامئذ لا يتخلفون عن التجميع فيها , فكان في النهي عن أن يقربوا الصلاة كفاية عن ذكر المساجد والمصلى الذي يصلون فيه . ذكر من قال ذلك : 7572 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله , عن أبيه في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : هو الممر في المسجد . 7573 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , عن أبي جعفر الرازي , عن زيد بن أسلم , عن ابن يسار , عن ابن عباس : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : لا تقرب المسجد إلا أن يكون طريقك فيه , فتمر مرا ولا تجلس . 7574 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا معاذ بن هشام , قال : ثنا أبي , عن قتادة , عن سعيد : في الجنب يمر في المسجد مجتازا وهو قائم لا يجلس وليس بمتوضئ , وتلا هذه الآية : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } 7575 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون , عن نهشل , عن الضحاك , عن ابن عباس , قال : لا بأس للحائض والجنب أن يمرا في المسجد ما لم يجلسا فيه. 7576 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا أبو الزبير , قال : كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتازا . 7577 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : الجنب يمر في المسجد ولا يقعد فيه . 7578 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قالا جميعا : ثنا سفيان , عن منصور , عن إبراهيم , في قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : إذا لم يجد طريقا إلا المسجد يمر فيه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل , قال : ثنا إسرائيل , عن منصور , عن إبراهيم في هذه الآية : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } قال : لا بأس أن يمر الجنب في المسجد إذا لم يكن له طريق غيره . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم , مثله . 7579 - حدثني المثنى , قال : ثنا شريك , عن سالم , عن سعيد بن جبير , قال : الجنب يمر في المسجد ولا يجلس فيه , ثم قرأ : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } 7580 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن عبد الكريم , عن أبي عبيدة , مثله . 7581 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن سماك , عن عكرمة , مثله . 7582 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن الحسن بن عبيد الله , عن أبي الضحى مثله . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون , عن إسماعيل , عن الحسن , قال : لا بأس للحائض والجنب أن يمرا في المسجد ولا يقعدا فيه . 7583 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون , عن عمرو , عن سعيد , عن الزهري , قال : رخص للجنب أن يمر في المسجد . 7584 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني يزيد بن أبي حبيب , عن قول الله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم , فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد , فأنزل الله تبارك وتعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن شعبة , عن حماد , عن إبراهيم : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال : لا يجتاز في المسجد إلا أن لا يجد طريقا غيره . 7585 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون , عن ابن مجاهد , عن أبيه : لا يمر الجنب في المسجد يتخذه طريقا . قال أبو جعفر : وأولى القولين بالتأويل لذلك تأويل من تأوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } إلا مجتازي طريق فيه . وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } فكان معلوما بذلك أن قوله : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } لو كان معنيا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } معنى مفهوم , وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك . وإذ كان ذلك كذلك , فتأويل الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون , ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل . والعابر السبيل : المجتازه مرا وقطعا , يقال منه : عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا , ومنه قيل : عبر فلان النهر : إذا قطعه وجازه , ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار لقوتها : وهي عبر أسفار لقوتها على الأسفار .تغتسلوا وإن كنتم

القول في تأويل قوله تعالى : { وإن كنتم مرضى } يعني بقوله جل ثناؤه : { وإن كنتم مرضى } من جرح أو جدري وأنتم جنب . كما : 7586 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا أبو المنبه الفضل بن سليم , عن الضحاك , عن ابن مسعود , قوله : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } قال : المريض الذي قد أرخص له في التيمم هو الكسير والجريح , فإذا أصابت الجنابة الكسير اغتسل , والجريح لا يحل جراحته إلا جراحة لا يخشى عليها . 7587 - حدثنا تميم بن المنتصر , قال : ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق , عن شريك , عن إسماعيل السدي , عن أبي مالك , قال في هذه الآية : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } قال : هي للمريض الذي به الجراحة التي يخاف منها أن يغتسل فلا يغتسل , فرخص له في التيمم . 7588 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإن كنتم مرضى } والمرض : هو الجراح والجراحة التي يتخوف عليها من الماء إن أصابه ضر صاحبه , فذلك يتيمم صعيدا طيبا . 7589 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة , عن عزرة , عن سعيد بن جبير في قوله : { وإن كنتم مرضى } قال : إذا كان به جروح أو قروح يتيمم . 7590 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو , عن منصور , عن إبراهيم : { وإن كنتم مرضى } قال : من القروح تكون في الذراعين. * - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا هارون , عن عمرو , عن منصور , عن إبراهيم : { وإن كنتم مرضى } قال : القروح في الذراعين. 7591 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون , عن عمرو , عن جويبر , عن الضحاك , قال : صاحب الجراحة التي يتخوف عليه منها يتيمم . ثم قرأ : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } 7592 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وإن كنتم مرضى } والمرض : أن يصيب الرجل الجرح أو القرح أو الجدري , فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه , يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء . 7593 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا معاذ بن هشام , قال : ثني أبي , عن قتادة , عن عاصم , يعني الأحول , عن الشعبي , أنه سئل عن المجدور تصيبه الجنابة ؟ قال : ذهب فرسان هذه الآية . وقال آخرون في ذلك ما : 7594 - حدثني به يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا } قال : المريض الذي لا يجد أحدا يأتيه بالماء ولا يقدر عليه , وليس له خادم , ولا عون , فإذا لم يستطع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به , ولا يحبو إليه , تيمم وصلى إذا حلت الصلاة . قال : هذا كله قول أبي : إذا كان لا يستطيع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به لا يترك الصلاة , وهو أعذر من المسافر . فتأويل الآية إذا : وإن كنتم جرحى أو بكم قروح أو كسر أو علة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة , وأنتم مقيمون غير مسافرين , فتيمموا صعيدا طيبا .مرضى أو على

وأما قوله : { أو على سفر } أو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحاء جنب , فتيمموا صعيدا.سفر أو جاء أحد منكم من

وكذلك تأويل قوله : { أو جاء أحد منكم من الغائط } يقول : أو جاء أحد منكم من الغائط قد قضى حاجته وهو مسافر صحيح , فليتيمم صعيدا طيبا. والغائط : ما اتسع من الأودية وتصوب , وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان , لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك , فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض : متغوط , جاء فلان من الغائط يعني به : قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض . وذكر عن مجاهد أنه قال في الغائط : الوادي. 7595 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { أو جاء أحد منكم من الغائط } قال : الغائط : الوادي .الغائط أو لامستم

القول في تأويل قوله تعالى : { أو لامستم النساء } يعني بذلك جل ثناؤه : أو باشرتم النساء بأيديكم . ثم اختلف أهل التأويل في اللمس الذي عناه الله بقوله : { أو لامستم النساء } فقال بعضهم : عنى بذلك : الجماع . ذكر من قال ذلك : 7596 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , قال : ذكروا اللمس , فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع , وقال ناس من العرب : اللمس : الجماع . قال : فأتيت ابن عباس , فقلت : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس , فقالت الموالي : ليس بالجماع , وقالت العرب : الجماع . قال : من أي الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي , قال : غلب فريق الموالي , إن المس واللمس , والمباشرة : الجماع , ولكن الله يكني ما شاء بما شاء . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي قيس , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , مثله . 7597 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي إسحاق , قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال : { أو لامستم النساء } قال : هو الجماع . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا وهب بن جرير , قال : ثنا أبي , عن قتادة , عن سعيد بن جبير , قال : اختلفت أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله : { أو لامستم النساء } فقال عبيد بن عمير : هو الجماع , وقلت أنا وعطاء : هو اللمس . قال : فدخلنا على ابن عباس , فسألناه , فقال : غلب فريق الموالي وأصابت العرب , هو الجماع , ولكن الله يعف ويكني . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير : اختلفوا في الملامسة , فقال سعيد بن جبير وعطاء : الملامسة ما دون الجماع . وقال عبيد : هو النكاح . فخرج عليهم ابن عباس , فسألوه , فقال : أخطأ الموليان وأصاب العربي : الملامسة : النكاح , ولكن الله يكني ويعف . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن بشر , عن سعيد , عن قتادة , قال : اجتمع سعيد بن جبير وعطاء وعبيد بن عمير , فذكر نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن عثمة , قال : ثنا سعيد بن بشير , عن قتادة , قال : قال : سعيد بن جبير وعطاء في التماس : الغمز باليد , وقال عبيد بن عمير : الجماع . فخرج عليهم ابن عباس فقال : أخطأ الموليان , وأصاب العربي , ولكنه يعف ويكني . * - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا : قال ابن عباس : اللمس : الجماع . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية وعبد الوهاب , عن خالد , عن عكرمة , عن ابن عباس مثله . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم , قال : ثنا أبو بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : اللمس والمس والمباشرة : الجماع , ولكن الله يكني بما شاء . * - حدثنا عبد الحميد بن بيان , قال : ثنا إسحاق الأزرق , عن سفيان , عن عاصم الأحول , عن بكر بن عبد الله , عن ابن عباس , قال : الملامسة : الجماع , ولكن الله كريم يكني عما شاء . * - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا أيوب بن سويد , عن سفيان , عن عاصم , عن بكر بن عبد الله , عن ابن عباس , مثله . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن داود , عن جعفر بن أبي وحشية , عن سعيد بن جبير , قال : اختلفت العرب والموالي في الملامسة على باب ابن عباس قالت العرب : الجماع , وقالت الموالي : باليد. قال : فخرج ابن عباس , فقال : غلب فريق الموالي , الملامسة : الجماع . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن رجل , عن سعيد بن جبير , قال : كنا على باب ابن عباس , فذكر نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا داود , عن سعيد بن جبير , قال : قعد قوم على باب ابن عباس , فذكر نحوه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله : { أو لامستم النساء } الملامسة : هو النكاح . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن نمير , عن الأعمش , عن عبد الملك بن ميسرة , عن سعيد بن جبير , قال : اجتمعت الموالي والعرب في المسجد وابن عباس في الصفة , فاجتمعت الموالي على أنه اللمس دون الجماع , واجتمعت العرب على أنه الجماع , فقال ابن عباس : من أي الفريقين أنت ؟ قلت : من الموالي , قال : غلبت . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : اللمس : الجماع . * - وبه سفيان , عن عاصم , عن بكر , عن ابن عباس , مثله. * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا حفص , عن الأعمش , عن حبيب , عن سعيد , عن ابن عباس , قال : هو الجماع . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا مالك , عن زهير , عن خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس , مثله . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا حفص , عن داود , عن جعفر بن إياس , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { أو لامستم النساء } قال : الجماع . 7598 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن أشعث , عن الشعبي , عن علي رضي الله عنه , قال : الجماع . 7599 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن يونس , عن الحسن , قال : الجماع . 7600 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا مالك , عن خصيف , قال : سألت مجاهدا , فقال ذلك . 7601 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة والحسن , قالا : غشيان النساء . وقال آخرون : عنى الله بذلك كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء جسد الإنسان . وأوجبوا الوضوء على من مس بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضيا إليه . ذكر من قال ذلك : 7602 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن مخارق , عن طارق بن شهاب , عن عبد الله , أنه قال شيئا هذا معناه : الملامسة : ما دون الجماع . 7603 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن منصور , عن هلال , عن أبي عبيدة , عن عبد الله - أو عن أبي عبيدة منصور الذي شك - قال : القبلة من المس . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن مخارق , عن طارق , عن عبد الله , قال : اللمس : ما دون الجماع . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن شعبة , عن المغيرة , عن إبراهيم , قال : قال ابن مسعود : اللمس : ما دون الجماع. * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال : القبلة من اللمس . * - حدثنا أبو السائب , قال : ثنا أبو معاوية , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن فضيل , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن أبي عبيدة , عن عبد الله بن مسعود , قال : القبلة من اللمس , وفيها الوضوء . * - حدثنا تميم بن المنتصر , قال : أخبرنا إسحاق , عن شريك , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن أبي عبيدة , عن عبد الله بن مسعود , مثله . 7604 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي , قال : أخبرنا سليم بن أخضر , قال : أخبرنا ابن عون , عن محمد , قال : سألت عبيدة , عن قوله : { أو لامستم النساء } قال : فأشار بيده هكذا - وحكاه سليم - وأراناه أبو عبد الله , فضم أصابعه . * - حدثني يعقوب وابن وكيع , قالا : ثنا ابن علية , عن سلمة بن علقمة , عن محمد , قال : سألت عبيدة , عن قوله : { أو لامستم النساء } قال بيده , فظننت ما عنى فلم أسأله . 7605 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن ابن عون , قال : ذكروا عند محمد مس الفرج , وأظنهم ذكروا ما قال ابن عمر في ذلك , فقال محمد : قلت لعبيدة , قوله : { أو لامستم النساء } فقال بيده . قال ابن عون : بيده كأنه يتناول شيئا يقبض عليه . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا خالد , عن محمد , قال : قال عبيدة : اللمس باليد . * - قال ثنا ابن علية , عن هشام , عن محمد , قال : سألت عبيدة , عن هذه الآية : { أو لامستم النساء } فقال بيده , وضم أصابعه , حتى عرفت الذي أراد . 7606 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني عبيد الله بن عمر , عن نافع : أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة , ويرى فيها الوضوء , ويقول : هي من اللماس. 7607 - حدثنا عبد الحميد بن بيان , قال : أخبرنا محمد بن يزيد , عن إسماعيل , عن عامر , قال : الملامسة : ما دون الجماع . 7608 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا محل بن محرز , عن إبراهيم , قال : اللمس من شهوة ينقض الوضوء . 7609 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا شعبة , عن الحكم وحماد أنهما قالا : اللمس ما دون الجماع . 7610 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن عطاء , قال : الملامسة : ما دون الجماع . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا حفص , عن أشعث , عن الشعبي , عن أصحاب عبد الله , عن عبد الله , قال : الملامسة : ما دون الجماع . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن بيان , عن عامر , عن عبد الله , قال : الملامسة : ما دون الجماع. * - قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم , عن عبد الله , مثله . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثني أبي , عن سفيان , عن مغيرة , عن إبراهيم , عن عبد الله , مثله . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن بشر , عن سعيد , عن أبي معشر , عن إبراهيم , قال : قال عبد الله : الملامسة : ما دون الجماع , ثم قرأ : { أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء } * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن هشام , عن ابن سيرين , قال : سألت عبيدة , عن : { أو لامستم النساء } فقال بيده هكذا , فعرفت ما يعني. 7611 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن أبيه وحسن بن صالح , عن منصور , عن هلال بن يساف , عن أبي عبيدة , قال : القبلة من اللمس. 7612 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا مالك بن إسماعيل , عن زهير , عن خصيف , عن أبي عبيدة : القبلة والشيء . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى الله بقوله : { أو لامستم النساء } الجماع دون غيره من معاني اللمس , لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. 7613 - حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي , قال : أخبرنا أبو بكر بن عياش , عن الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عروة , عن عائشة , قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل , ثم يصلي ولا يتوضأ " . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عروة , عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ " , قلت : من هي إلا أنت ؟ فضحكت . 7614 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا حفص بن غياث , عن حجاج , عن عمرو بن شعيب , عن زينب السهمية , عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه كان يقبل , ثم يصلي ولا يتوضأ " . * - حدثنا أبو زيد عمر بن شبة , قال : ثنا شهاب بن عباد , قال : ثنا مندل , عن ليث , عن عطاء , عن عائشة . وعن أبي روق , عن إبراهيم التيمي , عن عائشة , قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء , ثم لا يعيد الوضوء " . 7615 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , قال : ثنا أبي , قال : ثني يزيد بن سنان , عن عبد الرحمن الأوزاعي , عن يحيى بن أبي كثير , عن أبي سلمة , عن أم سلمة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم , ثم لا يفطر , ولا يحدث وضوءا " . ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلالة الواضحة على أن اللمس في هذا المو ضع لمس الجماع لا جميع معاني اللمس , كما قال الشاعر : وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا يعني بذلك : ننك لماسا . واختلف القراء في قراءة قوله : { أو لامستم النساء } فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : { أو لامستم } بمعنى : أو لمستم نساءكم ولمستكم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : " أو لمستم النساء " بمعنى : أو لمستم أنتم أيها الرجال نساءكم . وهما قراءتان متقاربتا المعنى , لأنه لا يكون الرجل لامسا امرأته إلا وهي لامسته , فاللمس في ذلك يدل على معنى اللماس , واللماس على معنى اللمس من كل واحد منهما صاحبه , فبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب , لاتفاق معنييهما .النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا

القول في تأويل قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جنابة وهم جراح. 7616 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن محمد بن جابر , عن حماد , عن إبراهيم في المريض لا يستطيع الغسل من الجنابة أو الحائض , قال : يجزيهم التيمم , ونال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحة , ففشت فيهم , ثم ابتلوا بالجنابة , فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط } . .. الآية كلها . وقال آخرون : نزلت في قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعوزهم الماء فلم يجدوه في سفر لهم . ذكر من قال ذلك : 7617 - حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : سمعت عبيد الله بن عمر , عن عبد الرحمن بن القاسم , عن عائشة أنها قالت : كنت في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , حتى إذا كنا بذات الجيش , ضل عقدي , فأخبرت بذلك النبي صلى الله عليه وسلم , فأمر بالتماسه , فالتمس فلم يوجد . فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم , وأناخ الناس , فباتوا ليلتهم تلك ; فقال الناس : حبست عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ! قالت : فجاء إلي أبو بكر , ورأس النبي صلى الله عليه وسلم في حجري وهو نائم , فجعل يهمزني ويقرصني ويقول : من أجل عقدك حبست النبي صلى الله عليه وسلم ! قالت : فلا أتحرك مخافة أن يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم , وقد أوجعني فلا أدري كيف أصنع . فلما رآني لا أحير إليه انطلق ; فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وأراد الصلاة فلم يجد ماء . قالت : فأنزل الله تعالى آية التيمم . قالت : فقال ابن حضير : ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر . 7618 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن ابن أبي مليكة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر , ففقدت عائشة قلادة لها , فأمر الناس بالنزول , فنزلوا وليس معهم ماء , فأتى أبو بكر على عائشة , فقال لها : شققت على الناس ! وقال أيوب بيده - يصف أنه قرصها - قال : ونزلت آية التيمم , ووجدت القلادة في مناخ البعير , فقال الناس : ما رأينا امرأة أعظم بركة منها . 7619 - حدثني محمد بن عبد الله الهلالي , قال : ثني عمران بن محمد الحداد , قال : ثني الربيع بن بدر , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن رجل منا من بلعرج يقال له : الأسلع , قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم , وأرحل له , فقال لي ذات ليلة : " يا أسلع قم فارحل , لي ! " قلت : يا رسول الله أصابتني جنابة . فسكت ساعة , ثم دعاني وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد , ووصف لنا ضربتين . 7620 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثنا عمرو بن خالد , قال : ثني الربيع بن بدر , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن رجل منا يقال له الأسلع , قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم , فذكر مثله , إلا أنه قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا - أو قال ساعة الشك من عمرو - قال : وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم يا أسلع فتيمم ! " قال : فتيممت ثم رحلت له . قال : فسرنا حتى مررنا بماء فقال : " يا أسلع مس - أو أمس - بهذا جلدك ! " قال : وأراني التيمم كما أراه أبوه : ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين . 7621 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا حفص بن نفيل , قال : ثنا زهير بن معاوية , قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم , قال : ثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان أبو عمرو حاجب عائشة : أن ابن عباس دخل عليها في مرضها , فقال : أبشري كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا , وسقطت قلادتك ليلة الأبواء , فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها , حتى أصبح في المنزل , فأصبح الناس ليس معهم ماء , فأنزل الله : { تيمموا صعيدا طيبا } فكان ذلك من سببك , وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة . 7622 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا ابن نمير , عن هشام , عن أبيه , عن عائشة : أنها استعارت من أسماء قلادة , فهلكت , فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها , فوجدوها , وأدركتهم الصلاة , وليس معهم ماء , فصلوا بغير وضوء , فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله آية التيمم ; فقال أسيد بن حضير لعائشة : جزاك الله خيرا , فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا . * - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال : ثني عمي عبد الله بن وهب , قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه , عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , أنها قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة , فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل , فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري راقد , أقبل أبي , فلكزني لكزة , ثم قال : حبست الناس . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ , وحضرت الصبح , فالتمس الماء فلم يوجد , ونزلت : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } . .. الآية . قال أسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر , ما أنتم إلا بركة . 7623 - حدثني الحسن بن شبيب , قال : ثنا ابن عيينة , قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم , عن عبد الله بن أبي مليكة , قال : دخل ابن عباس على عائشة , فقال : كنت أعظم المسلمين بركة على المسلمين سقطت قلادتك بالأبواء , فأنزل الله فيك آية التيمم . القول في تأويل قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } يعني بقوله جل ثناؤه : { فلم تجدوا ماء } أو لمستم النساء , فطلبتم الماء لتتطهروا به , فلم تجدوه بثمن ولا غير ثمن , { فتيمموا } يقول : فتعمدوا , وهو تفعلوا من قول القائل : تيممت كذا : إذا قصدته وتعمدته فأنا أتيممه , وقد يقال منه : يممه فلان فهو ييممه , وأيممته أنا وأممته خفيفة , وتيممت وتأممت , ولم يسمع فيها يممت خفيفة . ومنه قول أعشى بني ثعلبة : تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمة ذي شزن يعني بقوله : تيممت : تعمدت وقصدت , وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله : " فأموا صعيدا " . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7624 - حدثني عبد الله بن محمد , قال : ثنا عبدان , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول في قوله : { فتيمموا صعيدا طيبا } قال : تحروا وتعمدوا صعيدا طيبا . وأما الصعيد , فإن أهل التأويل اختلفوا فيه , فقال بعضهم : هو الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا غراس ذكر من قال ذلك : 7625 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { صعيدا طيبا } قال : التي ليس فيها شجر ولا نبات . وقال آخرون : بل هو الأرض المستوية . ذكر من قال ذلك : 7626 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : الصعيد : المستوي . وقال آخرون : بل الصعيد : التراب . ذكر من قال ذلك : 7627 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا الحكم بن بشير , قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي , قال : الصعيد : التراب . وقال آخرون : الصعيد : وجه الأرض . وقال آخرون : بل هو وجه الأرض ذات التراب والغبار . وأولى ذلك بالصواب قول من قال : هو وجه الأرض الخالية من النبات والغروس والبناء المستوية , ومنه قول ذي الرمة : كأنه بالضحى يرمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم يعني : يضرب به وجه الأرض . وأما قوله طيبا , فإنه يعني به : طاهرا من الأقذار والنجاسات . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { طيبا } فقال بعضهم : حلالا . ذكر من قال ذلك : 7628 - حدثني عبد الله بن محمد , قال : ثنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول في قوله : { صعيدا طيبا } قال : قال بعضهم : حلالا . وقال بعضهم بما : 7629 - حدثني عبد الله , قال : ثنا عبدان , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج قراءة , قال : قلت لعطاء : { فتيمموا صعيدا طيبا } قال : الطيب : ما حولك . قلت : مكان جرد غير أبطح , أيجزئ عني ؟ قال : نعم . ومعنى الكلام : فإن لم تجدوا ماء أيها الناس , وكنتم مرضى , أو على سفر , أو جاء أحد منكم من الغائط , أو لمستم النساء , فأردتم أن تصلوا فتيمموا , يقول : فتعمدوا وجه الأرض الطاهرة , فامسحوا بوجوهكم وأيديكم .طيبا فامسحوا بوجوهكم

القول في تأويل قوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } يعني بذلك جل ثناؤه : فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم , ولكنه ترك ذكر " منه " اكتفاء بدلالة الكلام عليه . والمسح منه بالوجه أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر , أو ما قام مقامه , فيمسح بما علق من الغبار وجهه , فإن كان الذي علق به الغبار كثيرا , فنفخ عن يديه أو نفضه , فهو جائز . وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيء , وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد , ثم مسح بهما أو بها وجهه أجزأه ذلك , لإجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد وهو أرض رمل فلم يعلق بيديه منها شيء فتيمم به أن ذلك مجزئه , لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتد بخلافه . فلما كان ذلك إجماعا منهم كان معلوما أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين مباشرة الصعيد بهما بالمعنى الذي أمر الله بمباشرته بهما , لا لأخذ تراب منه . وأما المسح باليدين , فإن أهل التأويل اختلفوا في الحد الذي أمر الله بمسحه من اليدين , فقال بعضهم : حد ذلك الكفان إلى الزندين , وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين . ذكر من قال ذلك : 7630 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة , قال : ثنا ابن إدريس , عن حصين , عن أبي مالك , قال : تيمم عمار فضرب بيديه إلى التراب ضربة واحدة , ثم مسح بيديه واحدة على الأخرى , ثم مسح وجهه , ثم ضرب بيديه أخرى , فجعل يلوي يده على الأخرى ولم يمسح الذراع . 7631 - حدثنا أبو السائب , قال : ثنا ابن إدريس , عن ابن أبي خالد , قال : رأيت الشعبي وصف لنا التيمم : فضرب بيديه إلى الأرض ضربة , ثم نفضهما ومسح وجهه , ثم ضرب أخرى , فجعل يلوي كفيه إحداهما على الأخرى , ولم يذكر أنه مسح الذراع . 7632 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن حصين , عن أبي مالك , قال : وضع عمار بن ياسر كفيه في التراب , ثم رفعهما فنفخهما , فمسح وجهه وكفيه , ثم قال : هكذا التيمم . 7633 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا أبو تميلة , قال : ثنا سلام مولى حفص , قال : سمعت عكرمة , يقول : التيمم ضربتان : ضربة للوجه , وضربة للكفين . 7634 - حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , عن الأوزاعي , عن سعيد وابن جابر , أن مكحولا كان يقول : التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع , ويتأول مكحول القرآن في ذلك : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إلى المرافق } 5 6 وقوله في التيمم : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء إلى المرافق . قال مكحول : قال الله : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } 6 38 فإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع . 7635 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا بشر بن بكر التنيسي , عن ابن جابر : أنه رأى مكحولا يتيمم يضرب بيديه على الصعيد , ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بواحدة . 7636 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن داود , عن الشعبي , قال : التيمم : ضربة للوجه والكفين . وعلة من قال هذه المقالة من الأثر ما : 7637 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عبدة ومحمد بن بشر , عن ابن أبي عروبة , عن قتادة , عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى , عن أبيه , عن عمار بن ياسر : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التيمم , فقال : " مرة للكفين والوجه " . وفي حديث ابن بشر : أن عمارا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم . 7638 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عبيدة بن سعيد القرشي , عن شعبة , عن الحكم , عن ابن أبزى , قال : جاء رجل إلى عمر , فقال : إني أجنبت فلم أجد الماء , فقال عمر : لا تصل ! فقال له عمار : أما تذكر أنا في مسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت أنا وأنت , فأما أنت فلم تصل , وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت , فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكرت ذلك له , فقال : " إنما كان يكفيك " وضرب كفيه الأرض ونفخ فيهما ومسح وجهه وكفيه مرة واحدة ؟ وقالوا : أمر الله في التيمم بمسح الوجه واليدين , فما مسح من وجهه ويديه في التيمم أجزأه , إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من أصل أو قياس . وقال آخرون : حد المسح الذي أمر الله به في التيمم أن يمسح جميع الوجه واليدين إلى المرفقين . ذكر من قال ذلك : 7639 - حدثنا عمران بن موسى القزاز , قال : ثنا عبد الوراث بن سعيد , قال : ثنا أيوب , عن نافع : أن ابن عمر تيمم بمربد النعم , فضرب ضربة فمسح وجهه , وضرب ضربة فمسح يديه إلى المرفقين . * - حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر , قال : سمعت عبيد الله , عن نافع , عن عبد الله أنه قال : التيمم مسحتان , يضرب الرجل بيديه الأرض , يمسح بهما وجهه , ثم يضرب بهما مرة أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين . * - حدثني ابن المثنى , قال : ثنا يحيى بن عبيد الله , قال : أخبرني نافع , عن ابن عمر في التيمم , قال : ضربة للوجه , وضربة للكفين إلى المرفقين . * - حدثنا أبو كريب وأبو السائب , قالا : ثنا ابن إدريس , عن عبيد الله , عن نافع , عن ابن عمر , قال : كان يقول في المسح في التيمم إلى المرفقين . 7640 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا ابن عون , قال : سألت الحسن عن التيمم , فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه , وضرب بيديه فمسح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما . 7641 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن عامر أنه قال في هذه الآية : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } 5 6 وقال في هذه الآية : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } 5 6 قال : أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان . 7642 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , وحدثنا ابن المثنى , قال : ثني محمد بن أبي عدي جميعا , عن داود , عن الشعبي في التيمم , قال : ضربة للوجه , وضربة لليدين إلى المرفقين . 7643 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن الشعبي , قال : أمر بالتيمم فيما أمر بالغسل . 7644 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , قال : سألت سالم بن عبد الله عن التيمم , فضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح بهما وجهه , ثم ضرب بيديه على الأرض ضربة أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين . 7645 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : وأخبرنا حبيب بن الشهيد , عن الحسن أنه سئل عن التيمم , فقال : ضربة يمسح بها وجهه , ثم ضربة أخرى يمسح بها يديه إلى المرفقين . وعلة من قال هذه المقالة أن التيمم بدل من الوضوء على المتيمم أن يبلغ بالتراب من وجهه ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء . واعتلوا من الأثر بما : 7646 - حدثني به موسى بن سهل الرملي , قال : ثنا نعيم بن حماد , قال : ثنا خارجة بن مصعب , عن عبد الله بن عطاء , عن موسى بن عقبة , عن الأعرج , عن أبي جهيم , قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلمت عليه فلم يرد علي , فلما فرغ قام إلى حائط , فضرب بيديه عليه , فمسح بهما وجهه , ثم ضرب بيديه إلى الحائط , فمسح بهما يديه إلى المرفقين , ثم رد علي السلام . وقال آخرون : الحد الذي أمر الله أن يبلغ بالتراب إليه في التيمم الآباط . ذكر من قال ذلك : 7647 - حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي , قال : ثنا عمر بن أبي سلمة التنيسي , عن الأوزاعي , عن الزهري قال : التيمم إلى الآباط . وعلة من قال ذلك أن الله أمر بمسح اليد في التيمم كما أمر بمسح الوجه , وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه , فكذلك عليه جميع اليد , ومن طرف الكف إلى الإبط يد . واعتلوا من الخبر بما : 7648 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا صيفي بن ربعي , عن ابن أبي ذئب , عن الزهري , عن عبيد الله بن عبد الله , عن أبي اليقظان , قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلك عقد لعائشة , فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الصبح , فتغيظ أبو بكر على عائشة , فنزلت عليه الرخصة المسح بالصعيد , فدخل أبو بكر فقال لها : إنك لمباركة , نزل فيك رخصة ! فضربنا بأيدينا ضربة لوجهنا , وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن الحد الذي لا يجزئ المتيمم أن يقصر عنه في مسحه بالتراب من يديه , الكفان إلى الزندين لإجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير جائز , ثم هو فيما جاوز ذلك مخير إن شاء بلغ بمسحه المرفقين , وإن شاء الآباط . والعلة التي من أجلها جعلناه مخيرا فيما جاوز الكفين أن الله لم يحد في مسح ذلك بالتراب في التيمم حدا لا يجوز التقصير عنه , فما مسح المتيمم من يديه أجزأه , إلا ما أجمع عليه , أو قامت الحجة بأنه لا يجزئه التقصير عنه , وقد أجمع الجميع على أن ا?

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق